دعونا من قرارات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، القضية الفلسطينية لم تعد القضية رقم واحد للدول العربية وعموم الدول الإسلامية. صفقة القرن وما صاحبها من مواقف وردود فعل أكدت المؤكد؛ القضية الفلسطينية اليوم هي قضية الفلسطينيين والأردنيين فقط.
ثورات الربيع العربي، وتفاقم الصراع الخليجي الإيراني، والنزاعات الإقليمية المزمنة، وفوقها التحولات الدولية في ميزان القوى، بدلت الأولويات العربية جذريا.
أولوية دول الخليج العربي، التعامل مع الكابوس الإيراني والهواجس الناجمة عنه. وعلى قاعدة، “عدو عدوي صديقي”، يغدو الانفتاح على إسرائيل أمرا مشروعا ما دام يصب في مصلحتي.
مصر” الشقيقة الكبرى” منهكة بأزماتها الداخلية، وهاجسها الراهن، تسوية الأزمة مع أثيوبيا حول سد النهضة، وتأمين الهدوء على حدودها مع قطاع غزة، وكسب الدعم في مواجهتها مع تنظيم الإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية في سيناء. هذه هي تحديات مصر وأولوياتها.
دول المغرب العربي منهمكة بمرحلة التحول السياسي، والأزمات الداخلية، وقضية الصراع المغربية أولوية على سواها من القضايا. تونس بلا حكومة منذ أشهر ومصير التحول الديمقراطي معلق على قدرة القوى السياسية وحكمتها في تجاوز مأزق التشكيل الحكومي وعدم الانجرار لانتخابات تشريعية ثانية.
لبنان دولة شبه فاشلة من الناحية الاقتصادية، وستدخل قريبا غرفة العناية الحثيثة في صندوق النقد الدولي.
سورية في غياب طويل، المعادلة الدولية والإقليمية تجعلها أسيرة لصراع طويل، وضحية لأطماع تركية وقحة، وتنافس غربي روسي لا نهاية له. سورية بالكاد ترد على الضربات الإسرائيلية اليومية، وتصد العدوان بقدرات محدودة وجيش مشتت على جبهات القتال المفتوحة شمالا وشرقا.
العراق لم يذق طعم الهدوء منذ عقود. شارفت أزمته على نهايتها، أو هكذا يخيل لنا، لكن المصالح الضيقة للقوى السياسية وصراع النفوذ الأميركي الإيراني يعيدها سنوات للوراء. بلاد ما بين النهرين، صارت بين نارين، وليس باستطاعتها أن تقدم أي دعم لقضية الشعب الفلسطيني، رغم موقفها المؤيد للحق العربي والفلسطيني.
الفلسطينيون وحدهم على الأرض، وهم فوق ذلك منقسمون، ويعانون من عجز سياسي قد يقودهم إلى التناحر على السلطة إذا ما قال القدر كلمته في شأن الرئاسة. الأردن وحده على الساحة الدولية، يقاتل بكل الوسائل الدبلوماسية والقانونية والسياسية، ويقارب معادلة الداخل والخارج بحساسية بالغة تحسبا من خطأ صغير في الحسابات يهوي بقدرته على الصمود والاستمرار في المواجهة، لكن إلى متى؟
لا شيء يوقف التدهور ويعيد ترتيب الأولويات العربية، إلا معادلة فلسطينية جديدة في الداخل، تبدأ بتجاوز الانقسام، وإطلاق حركة مقاومة شعبية سلمية، ستكون طويلة وشاقة، لكنها مكلفة للاحتلال أيضا.
حركة تذكر العالم بحقائق الصراع والاحتلال، وبالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، في دولة مستقلة، أو دولة واحدة ديمقراطية إذا شاء اليهود.
حركة تحشد التضامن العالمي من جديد، وتجذب اهتمام ودعم الاحرار في العالم. والفلسطينيون في هذا الميدان ليسوا بلا أصدقاء، فهناك المئات من المنظمات والحركات الحقوقية والمدنية والسياسية حول العالم التي تؤمن بمبادئ وحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال، وتحارب الاستعباد والاحتلال والقهر والتمييز العنصري. الفلسطينيون ضحايا لكل هذه الأشكال من الاستعمار، وسينالون تعاطف ودعم البشرية في كل مكان.
لم تعد قضية فلسطين أولوية لأنظمة وحكومات كثيرة حول العالم، لنجعلها أولوية للشعوب.
(الغد)