ما زال أكبر تحدٍ أمام الدول العربية، مثل العديد من الدول النامية أو ما يسمى بدول «العالم الثالث»، هو تحدي الاعتماد على الذات.
خلال النصف الأول من القرن العشرين وقعت معظم الدول العربية فريسة لعدة دول أوروبية مُستعمِرة، وبعضها لعقود طويلة.
ناضلت ضد الاستعمار وكسبت استقلالها، بيد أن الاستقلال ظل منقوصاً، لأنها بقيت معتمدة على غيرها في الكثير من الأوجه، وأحياناً على الدول المستعمِرة ذاتها.
لا شك بأن مرحلة ما بعد الاستعمار شهدت العديد من الإنجازات النوعية في العديد من الدول العربية، ومنها إنجازات لافتة في مجال التعليم، على البعدين المدرسي والجامعي، وفي مجال الأشغال والطّرق والنقل والطاقة والتّجارة والصّناعة والسياحة والفندقة والرّياضة والعلاقات الدولية، وغيرها كثير.
لكن التحدي الأكبر، والذي وقف ويقف دون اكتمال استقلال معظم الدول العربية، هو التّحدي الاقتصادي. فرغم امتلاك الدول العربية مُجتمعة، وبعضها منفرداً، مقومات وموارد اقتصادية هائلة، فإنها لم تحقق مبدأ التكامل الاقتصادي على المستوى الجمعي، ذلك أن التعاون والتنسيق بينها كان وما يزال دون المستويات المطلوبة بكثير، وبقي معظمها معتمداُ على الغير اقتصادياً: سواء من ناحية المساعدات والهبات والقروض أو من ناحية الواردات من الحاجات الأساسية.
هنالك وحدة جغرافية ولغوية وثقافية وروابط تاريخية وحضارية متينة تصل جميع الدول العربية ببعضها، لكن هذه الهبة أو الميزة لا تُستغلّ على النحو الأمثل، مما ينعكس سلباً عليها منفردة ومجتمعة.
وهنالك أيضاً ثروة لا بأس بها تتمثل في موارد بشريّة مؤهلة ومدرّبة وكفؤة على مستويات متعددة.
نسمع بين الفينة والأخرى دعوات في العديد من الدول العربية للاعتماد على الذات، لكن معظم هذه الدعوات يبقى على مستوى التّمني، ولم نشهد خطوات جادة تدفع على نحو فاعل بهذا الاتجاه.
المطلوب هو إعطاء الأمر الأهمية التي يستحق، لأن معظم الدول التي تقدّمت وتطورت وأصبحت قوىً اقتصادية لا يُشقّ لها غبار هي دول بُنيت على مبدأ الاعتماد على النفس.
إمكانية الاعتماد على الذات للدول العربية متوافرة من حيث المبدأ، وذلك على مستويين: مستوى «الذات» العربية الجمعيّة، القائمة على الأواصر والصلات الطبيعية واللغوية والثقافية المشار إليها أعلاه، ومستوى «الذات» الفردية.
وكلا المستويين، منفرداً أو مجتمعاُ، يحقق المطلوب، إذا توافرت النّيّة والإرادة والخطط المُحكمة والإدارة.
آن الأوان لاتخاذ خطوات جادة صوب الاعتماد على الذات، وبالدرجة الأولى من الناحية الاقتصادية، لأن الاعتماد على الذات هو التحدي الأكبر والحل الأكبر والأهم في نفس الوقت.
(الرأي)