«صفقة القرن» .. ما خفي أعظم!
د. حازم الناصر
16-02-2020 12:52 AM
خطة السلام الأميركية-الإسرائيلية أو ما يسمى (بصفقة القرن) والتي نعارضها ونرفضها لأسباب عديدة؛ منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي وديني، إضافة إلى ما انطوت عليه من إشارات جديدة في الملف المائي الشائك بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة، وبين الإسرائيليين ودول الجوار من جهة أخرى.
الخطة لم تعط الملف المائي الوزن المطلوب ولا الاهتمام الذي ينم عن حسن نية اتجاه إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والمتفحص للمبالغ المالية الواردة بما يسمى (صفقة القرن)، يجد أن مجموع ما خصص للمياه في كل من فلسطين، بما في ذلك غزة وسيناء والمشاريع المشتركة مع الأردن لا تتعدى 3.1 مليار دولار أميركي، على فترة زمنية تتراوح ما بين عامين إلى عشرة أعوام.
وبالمناسبة هذا المبلغ يوازي ما أنفقه الأردن على قطاع المياه لتلبية احتياجاته المائية المتزايدة، واحتياجات اللجوء السوري خلال الفترة 2013-2017، إذ أنفق الأردن هذا المبلغ رغم ضيق الحال دون الدخول بصفقات مع أحد.
من الواضح أن القائمين على هذه الخطة يعلمون جيدا أهمية المياه لقيام الدولة الفلسطينية، وأنه دون مخطط مائي طويل الأمد قابل للاستمرار والاستدامة فلن تكون هنالك مقومات الدولة المنشودة، ولهذا ابتعدت الخطة عن الملف المائي من حيث أولاً؛ التنكر للاتفاقيات السابقة الموقعة مع الفلسطينيين، وثانياً الاستمرار بالسيطرة على المناطق الغنية بالمياه السطحية والجوفية وبناء المستعمرات عليها، يظهر ذلك جليا في منطقة القدس ونابلس الغنيتين بالمياه السطحية والجوفية، بالإضافة إلى السيطرة على ما تبقى من الأراضي المحاذية لنهر الأردن ?شمال البحر الميت ودون أن يكون للفلسطينيين أي سيطرة أو حقوق سيادية.
إسرائيل ضمن (صفقة القرن) لم تتخذ من المياه ومواردها مناطق حدودية مع الفلسطينيين لأن الاستراتيجية قد تغيرت في ظل وجود فائض من الغاز، فقد عشنا الفترات التي كانت بها روافد ومنابع نهر الأردن هي المحرك الرئيسي لعدوان 1967 ومن قبلها حرب عام 1948 وآخرها حرب الاستنزاف عام 1973 والتي انتهت حروبها بخطوط هدنة تتلاءم والسيطرة على موارد المياه في نهر الأردن أو الضفة الغربية أو الجولان المحتل وبحيرة طبريا، إضافة إلى السيطرة على مرتفعات الضفة الغربية وخزاناتها الجوفية الغنية بالمياه والتي سحبت إسرائيل مياهها بطرق جائرة د?ن أن يكون هنالك نصيب أو أدنى حق للفلسطينيين في مياههم.
بالعودة إلى ما يسمى بـ (صفقة القرن) والاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، فقد ركزت محاورها ومشاريعها على شبكات المياه والخطوط الناقلة من الداخل الإسرائيلي باتجاه الضفة الغربية وسيناء وغزة والأردن، وبالوقت ذاته تجاهلت الاتفاقيات المبرمة سابقا ابتداء من (أوسلو) وانتهاءً باتفاقيات العام2017-2018، بخصوص تزويد الضفة وغزة بالمياه، والتي كانت جزءا من اتفاق ناقل البحرين التي ترفضه إسرائيل نهاراً جهاراً، وتصر على إدخاله بـ(الصفقة)؛ لتقول للولايات المتحدة الأميركية وأوروبا بأنها مع التعاون الإقليمي، ولكن التنفيذ والال?زام شأن آخر، خاصة إذا كان هنالك منفعة للآخرين، والسبب أن الاستراتيجية تغيرت في ظل عدم وجود موارد مائية جديدة للسيطرة عليها في الضفة الغربية.
الاستراتيجية الجديدة هي امتهان مهنة بيع المياه لكل من يحتاج (طبعاً مقابل الثمن)، فهي لديها مياه البحر القابلة للتحلية ولديها أفضل تكنولوجيا لتحلية المياه، ولديها الطاقة الوفيرة الرخيصة، وهنا أقصد (غاز المتوسط).
نعم، الاستراتيجية الجديدة مربحة اقتصادياً وسياسياً، وهي أيضاً غير شائكة، كما هو الحال في السيطرة على موارد مياه الغير، وما يتبعه من إشكالات دولية وقانونية.
أما السيطرة على شمال البحر الميت فله أسبابه، ظاهرها التوسع في احتلال أراضي الفلسطينيين، وترسيم حدود جديدة، إلا أن هنالك أسباباً أخرى تتعلق بمستقبل صناعة البوتاس من البحر الميت، والتي تدر المليارات على الاقتصاد الإسرائيلي من خلال بيع أملاح البوتاس ومنتوجات البحر الميت.
وفي ظل عدم الرغبة بالمضي قدماً بمشروع ناقل البحرين الأردني، فان المُخطِّط الإسرائيلي يعلم بأن مياه البحر الميت بانحسار باتجاه الشمال، (أي باتجاه حدود الضفة الغربية على البحر الميت) والتي أصر الأردن خلال السنوات الماضية على أن دولة فلسطين هي إحدى الدول المتشاطئة، ولها حقوقها وتم إدخال الفلسطينيين كشريك فاعل بمشروع ناقل البحرين الأردني.
ولتوضيح هذه النقطة بالأرقام، فإن طول الشاطئ الغربي للبحر الميت اليوم هو حوالي 54 كم، منها 18 كم فقط داخل حدود إسرائيل عام 1948وما تبقى أي 36 كم تقع داخل حدود الضفة الغربية عام 1967، وفي حال استمرار انحسار مياه البحر الميت شمالاً، فمن المتوقع أنه وخلال الـ 25 عاما القادمة لن يكون هنالك شاطئ للبحر الميت داخل حدود إسرائيل 1948 وستختفي الفوائد الاقتصادية المقدرة بالمليارات من خلال استغلال مياه البحر الميت، ولذلك تصر إسرائيل على ضم مناطق غور الأردن الفلسطينية المطلة والممتدة على طول شاطئ البحر الميت.
المياه حق أساسي من حقوق الإنسان وجسر للتعاون ما بين الشعوب ولا يجوز بأي شكل من الأشكال استخدامها كسلاح لقهر واضطهاد الشعوب أو لتمرير صفقات سياسية كتب لها الفشل قبل ولادتها.
لا بد من تذكير المجتمع الدولي الذي أشبعنا تنظيراً بضرورة تنظيم استعمالات المياه والحقوق على ما يعرف بـ (الدول المتشاطئة) والتي روج لها من خلال العديد من المواثيق والمعاهدات ابتداءً من قرارات رابطة القانون الدولي في اجتماعها (بهلسنكي) عام 1966وانتهاءً باتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1997 ودخولها حيز التنفيذ عام 2014 ، والتي أكدت على مبدأ مشاركة دول المجرى المائي في الانتفاع به وتنميته، وأن يكون الانتفاع منصفاً ومعقولاً.
(الرأي)