تخرج دار الإفتاء المصرية لتقول ان عيد الحب أي الفالنتاين حلال، فيما هناك فتاوى أخرى تقول ان الاحتفاء بهذا العيد حرام، وبينهما يتوه المؤمنون وانصافهم وأرباعهم.
بين أيدينا فتاوى تحرم الاحتفال بعيد الام، مثلا، فيما تخرج فتاوى أخرى لتحلل الامر ذاته، ويخرج علينا من يحلل الموسيقا، ومقابله من يحرمها، ثم من يجد للفائدة المصرفية، تفسيرا غير الربا، ومقابله من يعتبرها حراما بشكل واضح لا خلاف عليه ابدا.
هذا نجده بسبب تضارب المدارس الفقهية، او تعدد الاجتهادات، فوق ان ذات الذين يفتون بالحلال والحرام وينتمون الى مدرسة فقهية محددة، يعودون ويغيرون رأيهم، فيحللون ما حرموه سابقا، وقد يحرمون حلالا في بعض الحالات التي رأيناها، والأدلة على ذلك كثيرة، ويعرفها الجميع، في هذا الزمن الصعب حقا.
لدينا مئات الأدلة، من ذاك الذي يحرم السجائر مثلا، ويعتبرها انتحارا ومهلكة، الى ذاك الذي يراها مكروهة، ولو اردنا طرح امثلة هنا، لما انتهينا من قصة الفتاوى التي تناقض بعضها بعضا، برغم انها تستند الى دين واحد، وليس الى عدة اديان متناقضة.
الأدهى والامر ان يأتيك البعض ليقول لك ان الاختلاف هنا رحمة، وان الانسان عليه ان يختار ما هو اتبع لمذهبه، ان كان شافعيا مثلا، او حنفيا، سنيا او شيعيا، ولا يخلط بين آراء مذهبين، هذا على الرغم من ان التناقض يحدث أيضا بين من يفتون ويتبعون ذات المذهب، وليس تعبيرا عن صدام بين نهجين، وهذا امر ملموس في حالات كثيرة.
كثيرة هي قضايا الحياة، التي يديرها الناس، عبر فتوى، برغم انها دنيوية، وليست بحاجة لفتوى اصلا، فلماذا أبحث عن فتوى لتحريم السجائر مثلا، وقصتها واضحة من حيث الأذى صحيا وماليا، ويمتد الامر الى قضايا كثيرة ؟.
إذا قام أحدنا بتتبع ما يتم نشره من فيديوهات على اليوتيوب فسوف يخرج بعد عام او عامين بنتيجة كارثية، فالكل يفتي على هواه، والكل يريد أخذ الناس، الى اتجاهات مختلفة، في كل قضايا الدين، وتأويلها في الجانب الدنيوي، والامر ذاته ينطبق على مئات المواقع الالكترونية الإسلامية، التي تتلقى آلاف الأسئلة، وتجيب عبر فتاوى، لكن لا أحد مع الآخر.
كل واحد يأتيك بأدلة على رأيه او فتواه، تعاكس الأدلة التي يتبناها شخص يفتي بذات القضية، لكنه يتخذ اتجاها مغايرا للأول، وكأننا امام تيه كبير في هذا الزمن.
كل المجمعات الفقهية، والمؤتمرات، لم تؤد الى وقف هذه الحالة، من تشظية الإسلام، وتوحيد المرجعية الدينية، والاتكاء على قواعد واحدة في تحديد الرأي الديني، وهذه القصة تزيد من الشرخ الذي نراه، وتعمق الانقسامات، وكأنها تقول ان هناك اكثر من اسلام داخل الإسلام، دون ان يعترف احد بجرأة ان القصة ترتبط في حالات كثيرة، باجتهاد هذا او ذاك، وربط هذا الاجتهاد بأدلة وتفسيرات ونصوص دينية، لتأكيد قوتها.
لا تستغرب مثلا لو اصدرت مؤسسة إفتاء في أي بلد عربي، فتوى تحرم قيام أي فرد بسرقة الكهرباء، برغم انها ليست بحاجة الى فتوى، إذ إن هناك شعوبا بلا دين او معتقد، لا تسرق الكهرباء ، لكن ذات مؤسسة الإفتاء العربية قد ينعقد لسانها لو سألناها اذا كان استيراد الغاز الفلسطيني المسروق من إسرائيل بهدف توليد الكهرباء، حلالا ام حراما، وكأن سرقة الفرد هنا محرمة، وسرقة دولة الاحتلال حلال، او يتوجب الصمت امامها.
كلفة هذا المشهد خطيرة جدا، تنفير الناس من دينهم، خلط للحلال والحرام في كأس واحدة، تشتيت للجمهور، تعميق للشرخ، تنفير للناس من رجال الدين، توظيف للدين لمآرب مختلفة، وايصالهم للمرحلة التي لا يثقون فيها برأي عالم، فتسقط مكانتهم.
أخطر الأعداء على الإسلام، ليسوا خصومه الذين من خارجه، بل من ينتسبون اليه، ويقومون بتكسير بنيته من الداخل بشكل بطيء ومتدرج وعلى مدى مئات السنين.
الغد