يوم الوفاء للمحاربين القدامى .. عقد مسبحتنا الأصيل
هدى الحنايفة
13-02-2020 01:12 AM
خير ما ادرج على جدول أعيادنا الوطنية يوم الوفاء لعقد مسبحتنا الأصيل، الوفاء للإستثناء ، للمحاربين القدامى، والمتقاعدين العسكريين، ما يذكرنا بمكرمات رجال صدقوا ما عاهدوا الله، رجال أثر الجلال على محياهم لا يزول، يهز أركان العدو ويرفع المعنوية. نشامى منحونا آلاف الحيوات ، بنصبهم افق الكرامة على رؤوس بنادقهم ، فكانت تكبيرات النصر في معركة الكرامة ،وشجى اللطرون الذي يطل ببهجة الأيام الخالية متعطرا بدماء الشهداء منهم، والجولان التي تشتاقهم، ونحن من ننعم بحصاد تضحياتهم . يوم كاليوم لن يمر بِحُر إلا بِعَبرة وعِبْرة تكحل عينيه، ليقرءهم السلام.
الاحتفاء بهم إستحضار لقديمنا ، وقديمنا هو عزنا المشرف البهي مرورا بقائدهم القدوة بين صفوفهم الراحل العظيم الحسين بن طلال، لأبا الحسين وأول عهده مع رفاق السلاح، ما عساني أقول به وبهم؟! ساس البلاد، غيثها وملحها وسؤددها زينة العسكر. بما كابدوه وسط مناخات قاسية، ما كان للشرق أن يسلم منها لو لم تنجب الحرائر رجال ربت فيهم المروءة والتضحية؛ ليظل البناء متين يستحال نقبه، رجال بفضلهم أردننا اخضر، وجدائل عمان على الأكتاف مطمئنة، وفضاءنا مهيوب. ألبسونا ثوب الكرامة بحق.
من لم يكن والده من المحاربين القدامى لتمنى لو كان، لشُغِفَ بما يقص عليه من حكايا مدرسة الإباء، سيعلم ألا يقبل ضيمًا ولن يصفح إلا عمن يستحق، سيعلمه أن جشينا عربي أردني نذر أرواح رجاله للأمة، و رسم خارطة حلمه وألجم عدوه.. عرفنا زمانا أن سبيل التضحية لا يعرفه إلا العشاق وهو عهد أبدي، وهم أصدق العشاق بما طبعوا عليه من حب وطنهم قاصدين وجه الله وعزة أبناءهم حالة تترجم "أحب بلادي كما لا يحب بلادي أحد.. "من هنا ينفلت السؤال غِيرة ، أما آن لنا أن نفتدي شيبات هؤلاء العشاق، من ألبسونا ثوبًا لا يقدر بثمن، ألا يستحق الإستثناء تكريما بحجم عطاءه!؟ فلليوم ما هو معلن يسير على تلك العيون!
آن أن نكرم من أمضوا سنين سهد وغياب عن الأحباب تلبية للواجب، واجبٌا اختلفت ظروفه وضغوطه عما هم عليه عسكر اليوم من حال في الخدمة وما بعدها، فقبل عقود أكفانهم لحظة بلحظة تكاد تحملهم وتمضي، يعود أحدهم بفلدته العسكرية وعليها ما يفصح عن يومه، يعود بالروفر العسكرية المغطاة بالرمال بسمرة كلون الذهب يلوح بالبورية من فرط إشتياقه مطل برأسه من شباكها على بعد كيلو ليتسابق بنيه نحوه، فيغمرهم باحضانه لكأنه يحتضن وطن، يحيوه بإكبار بدموع تكاد تفر من الأحداق ، من ثم يصعدوها كأنهم مقبلون على حرب، أشقياء حوله، منهم من يلتقط اللاسلكي ويبدأ بتوجيه الجنود لما يخيل له مما يعيشه بطله، وآخر يكتفي بلبس البوريه والتشبث بكتفيه وكأنه يطرد فكرة الغياب عن المشهد . لبنيه من الخبرة في الليالي الحالكة والحنين للقياه ما لم يكن لأي طفل، وله من لوعة الشوق. إجازات أحيانا لا تكاد تكفي لغياب شمس نهار أو حتى ليجف عرق جبينه، ليعود بعدها مستأنفًا معارك الشرف على الثغور بذات الهمة بليل كتوم، وبيداء قاسية وعدو يتربص..
للوفاء دلالة عميقة تدعونا ألا نكتفي ببث مشاعر الود وحسب، بل لهم علينا حق يتعدى ذلك، فمن باب الوفاء إكرام مهجة الوطن، كإكرام الأمم العظيمة لبناة مجدها..