facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




متلازمة البطالة المدنية وعلاجها


الدكتور مالك زريقات
12-02-2020 08:05 PM

كغيرها من الحكومات في كل أرجاء المعمورة، تتصارع الحكومة الأردنية بكل طاقاتها مع العديد من المشاكل والأزمات المتقرحة وعلى رأسها مشكلة العاطلين عن العمل والتي نسميها جزافا هنا: "متلازمة البطالة المدنية". يأتي إنشغالنا بهذا الموضوع لقناعتنا المطلقة بأن المتلازمة آنفة الذكر إنما تجسد واحدة من أبشع صور الترهل العام والفوضى المؤسسية التي وأدت شعور الكثيرين بالأمن المجتمعي الأساسي لوجود الحضارات وإستمرارها. وهنا نقدم بإقتضاب تشخيصا عاما للأزمة ومسبباتها، ونحاول أيضا إقتراح بعض الحلول لها.

أما عن مسببات الأزمة، فهي -وبلا أدنى شك- كثيرة ومتشعبة وتراكمية. ولكن لنا أن نختزلها بعاملين أساسيين: الأول مرتبط بسياسة التعليم الجامعي وفلسفته، والثاني مرتبط بكفاءة القائمين على إنفاذ الرؤية الوطنية المتعلقة بتشغيل الخريجين وإستثمار طاقاتهم الواعدة والمطروحة بكثافة في الأوراق الملكية النقاشية. ولسياسة التعليم العالي وفلسفته في وطننا الغالي تركيبة تعجز عن احتوائهما كل قواميس الكون ونواميسه. فبالرغم من كثرة النشرات الإرشادية المتعلقة بالتخصصات الراكدة وظيفيا والصادرة عن الكثير من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، تصر الكثير من التشريعات والمجالس الجامعية والهيئات ذات العلاقة على الإستمرار في طرح مثل تلك التخصصات وقبول الطلبة فيها، لا بل وإبتعاث بعض الخريجين لحسابها. ولك عزيزي القارئ -كمثال على ذلك- الكثير من التخصصات الإنسانية والإجتماعية والعلمية التي تغص بها جامعاتنا، ولا يسعنا المجال لتسميتها جميعا هنا. فما مدى حاجة وطننا لإستمرار الجامعات بتخريج خبراء في هندسة الفضاء أو سيكولوجية الموسيقى أو إدارة المكتبات أو تاريخ السباحة النهرية أو جغرافية الإعلام الورقي؟ كلها تخصصات رائعة، ولكنها راكدة! أحقا نستمر بدفع أبناء وطننا لمثل هذه التخصصات وبالتالي مضاعفة أعداد العاطلين عن العمل لأننا لا نريد أن نخلق مشكلة على مستوى الجامعات بالنسبة لمدرسين هذه التخصصات؟ أي منطق يقتضي التضحية بأجيال واعدة للحفاظ على الوضع الوظيفي لما لا يزيد عن مائة شخص؟ ومنذ متى بات حلالا أن يُضحى بوطن كامل لخدمة فئة معينة؟

أما بالنسبة للعامل الثاني لمتلازمة البطالة المدنية والمرتبط بكفاءة القائمين على إنفاذ الرؤية الملكية فيما يتعلق بالإستثمار بالشباب وحق المواطن في العمل، فنعتقد أن التخبط المؤسسي القائم يدلل وبشكل فاضح على غياب الرؤية وانعدام الأفق لدى العديد من الضالعين في هذه المسألة. أيعقل أن يصدر قرارا يقضي بإحالة من بلغت خدمته المدنية ٢٥ عاما مثلا يوم الأحد مساء، ثم يصدر صباح اليوم التالي قرارا بإستثناء جلّ من شملهم قرار الأحد؟ أم هل يعقل أن يتبنى مشروع ضخ الدماء الجديدة في حركة التطوير والتأهيل الحكومي من غادرهم زمن الشباب بلا رجعة؟ أم هل يعقل أن يُشرّع لتعليمنا المدرسي والجامعي ويرسم مستقبله من لم يمارسوه طلابا أو مدرسين؟ الإجابة على كل هذه التساؤلات جملة واحدة بسيطة: لا يُعقل شيء من هذا إلا إذا كان المتصدرون للمشهد المرتبط بتلك المتلازمة أشخاصا خارقين! ولربما هم هكذا في وطني.

وبالرغم من كل هذا، إلا أننا نعتقد أن علاج متلازمة البطالة لا يحتاج الكثير من المسؤولين عن حلها. فيمكن أن يبدأ العلاج بتقديم نشرات توضيحية وبشتى الوسائل عن القوى الخارقة والكامنة والأبدية لبعض الأخصائيين والحكماء الذين تسببت هفواتهم وزلاتهم الإدارية -والمغفورة إن شاء الله- بخلق متلازمة البطالة المدنية العابثة. كذلك، فمن الضروري أن تعمل تلك النشرات على تذكير المحروم من العمل بأن صبره على تلك المصيبة الإجتماعية وأربابها المحنكين قد يكون من أشكال الإبتلاء الذي يُدخل صاحبه الجنة والنعيم. وهنا نقترح إنشاء هيئة توعوية تعنى بنشر ثقافة الصبر ورباطة الجأش والتضحية وترويجهم كوسائل للفوز الحقيقي فيما بعد الموت. إلى جانب هذا، فإننا نقترح إنشاء بنك بيولوجي يكون مسؤولا عن حفظ واستساخ الجينات الطافرة للقائمين على تبرير وشرعنة المتلازمة المدنية، بحيث نضمن وجودهم ومحوريتهم في كل زمان ومكان فنستشعر الأمان مهما طاف الشارع وإرتفعت الأمواج. يمكن أيضا أن يشتمل العلاج على تفعيل وترويج ثقافة التفائل وروح المرح بين العاطلين عن العمل. وهنا نقترح إنشاء هيئة للمزح والفكاهة تجوب أصقاع الوطن وتسخر كافة الوسائل للترويح عن تلك الفئة من المواطنين من خلال نشر شعارات مثل: "الدنيا لسه بخير" أو "تعيش وتوكل غيرها". ولا نجد حرجا هنا في توظيف بعض الأغاني والأفلام والمسلسلات الهادفة مثل أغنية "مستنياك" بصوت نانسي عجرم وأغنية "صابر وراضي" لأبو وديع. إضافة لذلك، يمكن أن يشتمل العلاج على وضع إستراتيجية تُنظم شؤون العاطلين عن العمل، وخصوصا أثناء أوقات فراغهم. ولهذا الغرض نقترح تشكيل هيئة إدارة أعمال العاطلين عن العمل، ونحبذ أن تتشكل هذه الهيئة من أساتذة إدارة الأعمال في الجامعات والمختصين من النواب لما لها من ترادفات إقتصادية عالمية قد تطال سياسات النقد الدولي. كذلك، يمكن للعلاج أن يشتمل على تشجيع العاطلين عن العمل على متابعة دراساتهم العليا كمسار ما بعد الدكتوراة في التخصصات الراكدة، حيث أن ذلك قد يساعد على ملء ساعات الفراغ عند هذه الفئة. ولهذه الغاية، نقترح إنشاء هيئة إعتماد تعليمية متخصصة في الدراسات العليا تُعنى بفتح مسارات ماجستير ودكتوراة وما بعد الدكتوراة في كل التخصصات الجامعية وخصوصا الراكدة منها. وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة التركيز على فتح برامج دكتوراة في التخصصات الشمولية والقادرة على إعداد الجيل القادم كتخصص الترجمة وتخصص علوم السياحة الفلكية.

وعلى أي حال، فإن علاج متلازمة البطالة المدنية ليس محصورا على الحلول الإجتماعية الآنفة الذكر. إذ يمكن إقتراح حلول بيولوجية أو سحرية أو نووية أو برلمانية ربما تكون أكثر نجاعة من سابقتها. وهنا، نترك مجال النقاش والإقتراح لأصحاب الإختصاص، ونترك الباب مفتوحا للجميع وخصوصا المتعطلين عن العمل لأن يقدموا لأرباب هذه المعضلة والمسؤولين عن حلها ما يرونه مناسبا من إقتراحات.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :