تختلف العلاقة بين السياسة والتاريخ باختلاف المجتمعات، حيث تتناوب هذه العلاقة بين الاسهام الفعلي الحقيقي للتاريخ وتوظيف يضع التاريخ تحت خانة الوصاية لتحقيق المُراد، فالعديد من الدول كإسرائيل مثلا التي أعطت نفسها الحرية بأخذ ما تريد ووقت ما تريد، اعتمدت في إرساء شرعيتها باستخدام التاريخ لتكوين شعور بالهوية القومية عن طريق تركيب صورة للماضي بتصميم يُثبت تلاحم الجماعة، وبناء التضامن بينها.. فصناعة الهوية القومية والوطنية من المهام العظيمة التي يقدمها التاريخ، فهو يتفرد بها دون غيره.
وإذا استرجعنا الماضي للأزمة التي يواجهها الوطن العربي او للصفقة التي يرفضها الوطن العربي نرى انها ليست نتيجة تراكمات بقدر ما هي نتاج خطط لنيل المزيد من الخيرات وتحقيق المكتسبات، تعددت مشاهد الرفض وشاملة لجميع الشرائح مما يجعلنا نفتقد أهم مرتكزات التخطيط او الأرضية لمشاركة المجتمع المحلي في عملية التخطيط وهو الأحزاب، الذي اقتصر دورها بالمسيرات، فرغم الأثر الكبير للمسيرات إلا ان الأحزاب أخفقت بعرض أفكار او خطط تُسهم في تعزيز الإصلاحات الاقتصادية وغيرها التي يمضي بها الأردن ولا سيما ان اعلان الصفقة تزامن في ظل الحديث الذي لا ينقطع عن التمديد للمجلس النيابي الحالي او المضي بالانتخابات البرلمانية!!
لا شك أن هناك دورا هاما للأحزاب والنقابات إذا دأبت على فهم متطلبات الواقع ومتطلبات التطور فميادين العلم الحديث يُحددها أسلوب معيشة الافراد في بلد ما والانسجام معه لمعالجة الأخطاء وليس اصطياد الفرد، معالجة الضعف الحقيقي وليس تصحيح استخدام مصطلح فلطالما كان الانتماء والقومية ثوابت لا يمكن ان يتم استبدالها ولا يمكن ان تتغير ولا تعني ابدا الوقوف في ظل ماض رائع دون التحرك للمحافظة عليه او العمل للتطوير حتى لا نضيع في خضم التاريخ منساقين خلف تيارات لا نعرف مدى مصداقية أهدافها.
لا نريد ردود أفعال أشبه بالانفعال الغريزي الذي يصيب الانسان عند الغضب لوقت محدد ينتهي بانتهاء الموقف ولا نريد ان تعيش منطقتنا في حالة توتر مزمن يُضعفها ويُهَمشها، نريد خطى مدروسة تدعم مواقف جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله الذي تحدى شتى الظروف والعقبات، الان حان دورنا بان نصنع تاريخا يَليق بهذه المواقف، بأفعال حقيقية وخطوات مدروسة حتى نكسب المستقبل القادم ليصنع لنا تاريخاً مجيداً.(الدستور)