هل يتوقف تنفيذ صفقة القرن على موافقة الفلسطينيين والعرب؟
د. عادل يعقوب الشمايله
10-02-2020 02:00 PM
-الجواب العقلاني على هذا التساؤل هو بالنفي. فكما ان الصهاينة قد حصلوا بموجب وعد بلفور على ما هو أكثر بكثير مما وعدهم بلفور، على الرغم من معارضة عرب فلسطين، وباقي الشعوب العربية والاسلامية، فكذلك سيكون مصير صفقةالقرن. اتت الصفقة بعد انقضاء مائة سنة تقريبا اي قرن على وعد بلفور، ولهذا سميت بهذا الاسم. والصفقة تطلق على العمل المكتمل. وهنا يقصد بصفقة القرن استكمال تنفيذ الصفقة التي تمت ما بين الصهاينة والبروستانت في انجلترا وامريكا ولكل طرف من الطرفين في الصفقة اهدافه. اي ان الصفقة ليست بين الصهاينة والفلسطينيين. الفلسطينيون والعرب مغيبون الان كما غيبوا عند اصدار وعد بلفور، ولا احد نادم على غيابهم. الاستسلام هو الاستسلام سواءا تم قانونيا اي بتوقيع المهزوم، او واقعيا بدون توقيعه de facto.
-اعلن نتنياهو أن اسرائيل ستأجل ضم المزيد من الاراضي الفلسطينية الى ما بعد اجراء الانتخابات الاسرائيلية. هذا يعني بالضرورة ان ضم الجزء الفلسطيني من غور الاردن سيعلن عنه بعيد ظهور نتائج الانتخابات الاسرائيلية. هذا الفعل ان حدث، وبالتأكيد سيحدث هو بداية تنفيذ المواضيع النهائية من الصفقة.
-من ناحية اخرى، فقد اعلنت اسرائيل انها وبموجب الاتفاقية، ستتوقف عن توسعة المستوطنات في الضفة الغربية لمدة اربع سنوات فقط. لماذا اربع سنوات؟ الجواب انها فترة الرئاسة الثانية للرئيس ترامب. ترامب ضمن الفوز بالرئاسة، واسرائيل ضمنت دعمه لاستكمال المخططات الاسرائيلية. حسب بنود الصفقة، ستكون اسرائيل في حل من التزامها بالتوقف، اذا لم تعلن السلطة الفلسطينية خلال السنوات الاربع موافقتها على الصفقة ودخولها في مفاوضات مع اسرائيل بشأن سبل تنفيذها. السنوات الاربع بدأ عدها التنازلي منذ المؤتمر الصحفي لترمب.
-بموجب الصفقة انتهى عمر وكالة غوث اللاجئين. قرار احالتها إلى التقاعد بدأته الولايات المتحدة حيث اعلنت توقفها عن دفع التزاماتها المالية للوكالة. تبعا لذلك لن تستمر الدول الاخرى بالوفاء بمساهمتها المعتادة، ناهيك عن تغطية العجز المالي الكبير الذي سببه انسحاب اكبر داعم وهو امريكا. فأي دولة تقوم بدعم الوكالة والسلطة الفلسطينية يعتبر تحديا للسياسة الامريكية، الامر الذي لا تقوى عليه اي دولة.
-لقد اثبت الرئيس ترامب من خلال تعامله مع حلفاءه الاوربيين ومن بينهم دولتان عظميان، وكذلك حليفته اليابان، ومع خصومه وعلى راسهم روسيا والصين، ان ارادة امريكا فوق اي ارادة اخرى. وبناء على ذلك فإن الرهان على دول الاتحاد الاوروبي او روسيا والصين سيكون خاسرا. دول الاتحاد الاوروبي تابعة بالكامل للولايات المتحدة لانها تعيش تحت حماية الجيوش الامريكية التي تنتشر قواعدها في كافة ارجاء اوروبا. كما ان استقرارها الاقتصادي يتوقف على حسن سلوكها الاقتصادي والسياسي مع الولايات المتحدة. بمعنى اخر فان الدول الاوروبية لا تتمتع باستقلال سياسي وسياسة خارجية منفلتة من الضغوط الامريكية. وخير دليل على ذلك موقفها الفعلي من الاتفاق النووي مع ايران بعد انسحاب امريكا منه. وهذا هو سبب عدم قدرتها على اجبار اسرائيل على تنفيذ ولو قرار واحد من قرارات الامم المتحدة.
-تستند الصفقة كما ورد في نصوصها، الى قرار مجلس الامن رقم ٢٤٢ الذي يمثل الشرعية الدولية والذي وافقت عليه الدول العربية والسلطة الفلسطينية. هذا القرار الذي صيغ بدهاء بريطاني، يعطي اسرائيل حق التمسك بما تشاء من الاراضي التي احتلتها. لانه ينص على انسحاب اسرائيل من اراض احتلتها عام ١٩٦٧ وليس من الاراضي التي احتلتها.
ولذلك فإن اعتراض الدول العربية على الخارطة المرفقة بوثيقة الصفقة هو مجرد لغو. فقرارات الجامعة العربية وهي منظمة اقليمية، وقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة تظل ادنى مرتبة، وادنى قوة واهمية من قرارات مجلس الامن، لأنها تفتقر الى مشروعية التنفيذ والياته. لاءات الجامعة العربية في اجتماعها الاخير، اضعف بكثير من لاءات قمة الخرطوم التي ذهبت مع الريح ولم تحقق شيئا.
-سيستمر الحصار الاسرائيلي المصري لغزة، بل وسيزداد ضبطه لاضعاف حماس وزيادة الضغوط المعيشية والامنية على سكان القطاع الذين لم يعودوا يحتملون وجود حماس وتحرشاتها العبثية باسرائيل ومصر والتي تهدف الى استمرار حصولها على شرعية البقاء، وحصولها على مئات الملايين من المعونات من قطر وايران وتركيا والدول الاوروبية التي لا يصل شعب غزة منها الا القليل.
-تتعرض حكومات الدول العربية التي لا تزال تغطيها غيوم شتاء ما قبل الربيع العربي، لضغوط مالية وسياسية وامنية.
وحيث انها مهددة بمالات مشابهة لمالات سوريا وليبيا واليمن، لأن قياداتها تمتلك نفس حكمة وحصافة وبعد نظر قيادات اليمن وليبيا وسوريا، فانها ليست بوضع القادر على دعم رفض السلطة الفلسطينية، هذا اذا كان رفضها صادقا. لقد توصلت معظم الحكومات العربية الى قناعة بأن استمرار الصراع مع اسرائيل يمثل خطرا عليها، وان من مصلحتها كانظمة وكشعوب ان تطبع مع اسرائيل وان تحصل على بركاتها ودعواتها، وربما على حمايتها مما يتهددها من اخطار وضغوط. فالقضية الفلسطينية اصبحت عبئا لا يحتمل قوميا، بعد ان تهدمت خيمة القومية، وعلى الفلسطينيين تدبر امورهم بدل التحصن بدرع الخيش العربي الاوهن من بيت العنكبوت.
-يمثل الواقع العربي الراهن الفرصة الذهبية لاسرائيل لتحقيق اهدافها المعلنة، وغير المعلنة، بدون كلفة، و/أو بكلفة يسيرة تدفعها بعض الدول العربية راغمة. ، لا تضمن اسرائيل استمرار التشرذم والتشظي والهوان العربي. لذلك فانها ستنهش لنفسها كل ما تستطيع، ومن المعلوم ان استطاعتها اصبحت تتجاوز الحدود والقيود.