رسالةٌ مِنْ مُواطنةٍ هاشميةٍ إلى المَدعوِّ كورونا ..
المحامية آية توفيق المهيرات
09-02-2020 07:01 PM
أبعث إليك سلاماً لا يُكلِّله أيُّ شَوقٍ لمُلاقاتِك أو حتى استضافتِك، فقد قِيل عن ديسيمبر أنَّ فيه تنتهي كُلُّ الأحلام، ولعلَّنا سنقول عن ديسيمبر الآن أنَّ فيه بدأت الأمراضُ والأحزان بفيروسٍ لم يَكن بالبالِ ولا حتى بالحُسبان، نشأَ في عاصمةِ مقاطعةِ هُوبي وَسط الصينِ في وُوهان، انتشر خبرُ ولادَتِك كلَّ أَنحاءِ العالم والبلدان، وسَمِعنا بأَخبارِك وزياراتِك السريعة و المُقيمة في عدد كبير من بلدان الجيران.
لكني الآن أخشى أن يكونَ بلدي في القائمةِ البيضاءِ لزياراتِك ، وأخشى عليه أَنْ يكون مُضيفاً لَكَ في أيِّ يومٍ من الأيام، وأخشى أن أسمعَ عَنْكَ على وجهِ الخصوص لا على الوجهِ العام، فبلدي بلدٌ يحتضنُ بناتَه الإثنتي عشر احتضان، ما إِنْ أصابَ واحدةً منها أيُّ مكروهٍ حتى تداعَتْ لَهُ سائِرُ المحافظات بالسهر والحُمى.
والله إنَّنا بلداً مضيافاً، ولكنَّك لَسْتَ المُرَحَّبَ بِه بَيننا وعلى أرضِ وطَننا، و والله إننا لأهلٌ للكرم ولكنَّك لَسْتَ الجَدير بالإِكرام.
قبل القليلِ، تحدَّث أحدُ المُذيعين على إِحدى القَنوات الإخبارية أنَّ ما يُقارب ٣٠٠٠ آلاف شخصٍ قَدْ أُصيبوا بِك وأنَّ هذا العدد بإِزديادٍ وتمدد ، وما زلت في صَفنةٍ وحيرةٍ بينَ احتمالية احتواءِ الإنتشار الواسعِ لك أم أن القادِم يشكل خطراً لا يمكن حتى إدراكه، أخشى اذا فكَّرتَ وزُرتَنَا ذاتَ يومٍ أَنْ لا نستطيع صدَّكَ في ظلِّ سُرعةِ البرق التي تمشي بها، أخشى على أبناء بلدي منك فرداً فرداً، لا أريد لبلدي أن يُقال عن أي بقعةٍ فيه أنها منطقة محظورة أو أنها معزولة.
وما زِلت أفكرُ بقلقٍ أن يأتيَ وقتٌ يُستبدلُ فيه اسمُكَ بالطاعونِ عِوضاً عن فيروس، وقتٌ ننتظرُ فيه من بعد رحمةِ الله ومشيئَته إعداد لُقاحٍ نستطيعُ من خلاله توديعَك بِلا رَجعةٍ ولا رأفةٍ ولا حتى حَنين، وفيما أفكرُ وأفكر أعود وأتفقدُ أَخبارَ انتشارِك.
عرِف عَنْكَ كُلُّ العالم، أُبَشِرُك! ، فإن كان همُّك الشُهرَةَ فقد شُهِرت، وأما وإن كان مُبتغاكَ أن تكون وَباءً فلا حقق اللهُ مُرادَك ، ألا يكفيك ما فَعَلَتْهُ أشباهُك من الفيروسات السالفة بأبناء الأرض!
ولا يكفيك كم وَقَعَ مِنهم شهيداً وقتيلاً في الحروب والفواجعِ والكوارثِ الطبيعية !
ألم تكفيكَ مجازرُ الحربِ الفيتناميةِ التي راحَ مَعها ما يُقارب المليون ونصف ضحية وحرب الثلاثون والحروب النابليونية التي تجاوزت ضحاياها العشرة والنصف مليون من البشرية !
أم أنك لم تُلقِ بالاً لمجزرةِ الحربِ الروسية أو حتى مجزرة حرب التايبينغ الأهليةِ الدينية التي تجاوزت في مجموعها السبعة والعشرون مليوناً من سكان الكرةِ الأرضية!
أيعقلُ أنَّك لم تسمع عن الخمسين مليون إنسانٍ الذين راحوا ضحيةَ الحرب العالمية الأُولى أو حتى عن السبعين مليون الآخرين في الحرب العالمية الثانية!
وماذا عن مجازِرِ فلسطين وسوريا ومجازر كافة البلاد العربية!
ألم يُشعرك بضرورة الرحيلِ كلُّ ما ذكرتُه لك في السُطور العِليَّة!
وأعود وأتفقدُ سرعة انتشارِك الفوضويَّة، لعلِّي أُهوِّن على نفسي من هَواجِسي التَخوُّفيّة على أهلِ بلدي وأهل كلِّ الكرة الأرضية.
وفي استطلاعي عنك، عَرَفت أنَّ لك أجدادً، وأنَّكَ تَنبعُ من سُلالةٍ تَعودُ لِعامِ 1960، وأنَّك في علاقةٍ غراميَّةٍ مع الحيواناتِ بأنواعها؛ كالطيورِ والزواحفِ والأبقارِ والقططِ والكلاب، إلا أنَّ الأكثرية يُرَجِّحون ارتباطَك بسنداتٍ مخبريةٍ بالأفاعي، وفي ذلك تم تبرئة الوَطواط من أصابع الإتهام التي وُجِّهت له في آخرِ إصداراتِك المَرَضِيّة، وقيل عنك أنَّك تنتقلُ بادِئَ ذي بدءٍ عن طريق الجهاز التنفسِيِّ بأعضاءِه، وأن هذه الأَجواءَ الباردة تُعيلُك في انتشارِك، مُضافاً لها الإتصالَ المُباشِرَ بحَيوانٍ مُصابٍ يَتبَعُه قِلَةُ النظافةِ ثُمَّ التعاملَ المباشر بين البشر المُصابين، وقيل عن صِورِك الدالَّة عليكَ كالحُمى والسُعال والضيقِ في التنفس والإلتهاب الرِئَوِيّ، يتبعُهُ قَيءٌ وإسهالٌ، ينتهي بفشلِ كلوي والتهاباتٍ حادَّةٍ وغيرها من المُضاعفات الكثيرةِ والخطيرةِ التي تُؤدي في أَغلَبِها إلى الوَفاة.
وأعود وأتفقدُ جولاتِكَ، وأسألُ عن مهابِط طائِراتِكَ، راجِيةً من الله بُعدَك عن موطني، وصوتٌ يقرَعُ داخِلَ رأسي ويَصيحُ بأَعلى صوته : " هل أَراك؟! سالماً مُنعَّماً وغانماً مُكرَّماً... موطني... موطني".
أُخاطِبُك وقَد منحتُك الأهليةَ للخِطاب، وأطلُبُك وكلِّي أَملٌ في الجَواب، أَنْ تَبْقى حَيثُما أَنت، وأتمنى أن يُصِبكَ شَللاً رباعِياً يُفضي إلى مَوتِك مِيتةً لا تَحيا بعدها أبداً!
عُذراً مِنك إِنّ كانَت كلماتي قد شابها القليلُ من الحِدية، فصاحِبُ الحاجةِ أرّعَن، وأنا أكثَرُ الرُعونِ إن كان ذلك في مَيزان الخوفِ على بلدي!
فلا أنت أهلاً ولا بارَكَ الله فيكَ يا ابن الطاعون!
من مواطنةٍ هاشميةٍ تُدعى آية.