ثلاث ملاحظات على الخطط الاستراتيجية
د. أحمد يعقوب المجدوبة
09-02-2020 01:07 AM
لا شك بأنّ التخطيط الاستراتيجي أساسيّ في العمل المؤسسي المُنظّم.
فالخطة الاستراتيجية هي بمثابة خريطة طريق تهتدي المؤسسة بكامل مكوناتها وكوادرها بهديها، بانية خططها التشغيلية والتنفيذية على الرؤية والرسالة والغايات الاستراتيجية التي تتضمنها الخطة، ثم الأهداف المنبثقة عنها، ومؤشرات الأداء ومؤشرات النتائج.
ويصعب اليوم، لا بل يكاد يكون مستحيلاً، أن تعمل المؤسسة بفاعلية دون وجود خطة استراتيجية محكمة توجهها وتحكم أفعالها وتضبط أداءها.
هذا أمر لا يجادل فيه اثنان.
بيد أن لنا ثلاث ملاحظات على معظم الخطط الاستراتيجية في مؤسساتنا.
أولها أن العديد منها مبني على الحشو والإنشاء والإسهاب في التقديم والشرح والتفرعات والتفاصيل التي لا داعي لها.
فتجد الخطة، نتيجة لذلك، مُتخمة مُطنِبة معقّدة ثقيلة على المستخدم، تبعث في النفس الملل والإحباط، فيصعب على المعنيين تطبيقها بكفاءة.
والأصل أن تكون الخطة مُقتضبة مُباشِرة سهلة الفهم وسهلة التطبيق، مُؤسَسة على مبدأ ما قلّ ودلّ.
ومن المهم أن نتذكّر هنا أن الخطة تُصاغ من أجل أن يطّلع عليها ويستوعبها ويطبقها جميع من في المؤسسة، من المسؤولين في قمة الهرم إلى الموظفين والعاملين في قاعدته. ومن هنا تنبع أهمية سلاستها وسهولتها ويسرها.
ثانيها أن العديد منها اعتُمد في بنائه مبدأ «النسخ واللصق» من خطط استراتيجية متوافرة على المواقع المختلفة.
وهذا أمر سلبي من جانبين، إضافة إلى مخالفته لمبدأ الملكية الفكرية والأمانة العلمية.
الأول ويتمثل في أن الخطة الناجمة عن مثل هذه الممارسة قد لا تلائم المؤسسة قط، فتكون مفروضة عليها؛ فالخطة التي توضع لمؤسسة ما قد لا تناسب غيرها، لأن لكل مؤسسة أجواءها وظروفها وواقعها الذي يُميّزها عن غيرها.
ويتمثل الثاني في أن الخطة القائمة على النسخ واللصق، أي المأخوذة من عدة خطط، تفتقر عادة إلى التناسق العضوي بين مكوناتها فتكون مُهلهلة البنية مُبهَمة مُربكة.
والأصل أن تكون الخطة مؤلفة تأليفاً من قبل فريق محترف يستمد الأفكار من كامل أعضاء المؤسسة ويصيغها باحتراف وفق مبادئ صياغة الاستراتيجيات المتعارف عليها، فتكون منسجمة مع ذاتها ولها شخصيتها التي تُميزها عن غيرها.
وثالثها أن العديد منها، للسببين المذكوين آنفاً ولأسباب أخرى كثيرة، منها غياب التخطيط الاستراتيجي والفرق القيادية المحترفة التي تُعده وتنفذه وتتابعه بدقة، يكون مصيرها الجوارير أو الرفوف، أو قد تكون مجرد وثيقة مطبوعة بأناقة تُهدى لضيوف المؤسسة أو تُبرز عندما يسأل أحد ما عنها.
والأصل أن تكون الخطة بيد كل مسؤول ومدير وموظف وعامل في المؤسسة يفكرون بناء عليها، ويُنفذون ما جاء فيها بالتزام.
والخطط دوماً قابلة للتعديل والتطوير في أي مرحلة تشعر المؤسسة أن ذلك مطلوب، ذلك أن الخطط الاستراتيجية لا تُكتب بماء من ذهب مع أنها تُصاغ بعناية فائقة عند إعدادها.
وبعد، فالخطة الاستراتيجية الجيدة هي التي تُؤلّف تأليفاً بالتشاور مع جميع المعنيين في المؤسسة وتُعدّ باحتراف ومُباشرة واختصار، وتُطبق بتصميم وعزم بعمومها وتفاصيلها وتُراجع إن دعت الحاجة لذلك.
(الرأي)