نمطية إعلامنا أخفق باستقطاب شبابنا
د. محمد كامل القرعان
08-02-2020 11:50 AM
فرض نمط الاعلام التقليدي، بما فيه المشاهد والمسموع، على الشباب النزوح نحو فضاءات اعلامية سقفها السماء، ولا تحكمها انماط، وقناعات واراء لم تتخذ من الجديد طريقا للتواصل معهم ومحاكاة طموحهم، بحيث حصرت الصحافة الوطنية التقليدية محتواها، باهتمامات الجيل السابق الذ قدم واعطى، واتخذت من نهجها سبيلا لسوق وجهات نظرهم بل وفرضه بكل ما فيه على الواقع المحلي، دون الاخذ بالنظر الاختلافات والاهتمامات بين اكثر من جيل في طور الاحدث.
وتمثل الصور النمطية للاعلام المحلي أهم أنواع المنظومات المعرفية، التي تستخدم في مخاطبة البيئة الشبابية؛ إذ إنها لا تمثل سوى آراء بين أعضاء جماعة معينة تجاه غيرها من الجماعات.
هذه الوسائل بتمثيلاتها النمطية المختلفة هي المسؤولة عن تحديد ما يتصوره الشباب عن الآخرين، ومسؤولة عما يمثل رؤيتنا للعالم، ولها تأثير كبير على مسار حياة الشباب اليومية من خلال علاقتهم بالمحيط الاجتماعي، وما يمكن أن يتحقق من الإدراك والفهم والتفاهم والعاطفة والتوقع، ومراقبة الموقف.
ودفعت هذه الوسائل الاردنية ثمنا باهظا بنهجها لاغفالها التحول الذي شهده العالم، بحيث قل تأثيرها عل المتلقين نتيجة قلة متابعتها من فئة الشباب خاصة والذي توجه بكل قواه وافكاره الى (شبكات التواصل الاجتماعي ) حيث حتمية التعبير دون رقابة او مضايقة أو وصاية، وهذا الامر فرض على التقليدية ومدرائها ضرورة التحول بالاسلوب والشكل والمضمون والوسيلة بطريقة ترتقي الى شد اهتمام الشباب، وهذا التطور الحديث في وسائل الاتصال والتواصل اوجد كذلك واقعا جديدا بعيدا بكل مكان عن العالم الذي سبقة وفي معطياته وخطابه، في الوقت التي يتسابق فيه الاعلام التقليدي للتطوير من اسلوبه، وشكله بهدف محاولة الاستحواذ على أنتباه الشباب.
وتنطلق أهمية محاكاة الشباب ضمن عالمهم الجديد والنزول الى احلامهم وطموجاتهم ، وهو ما تفتقد جوانبه بعض الصحافة الاردنية، وهي صحافة باعتقادي صحافة (الترضية) حال لسان الحكومة أي تتبنى وجهة نظر واحدة، وان حاولت تقمص إدوار تمردية، والخروج عن الخط لكنها سرعان ما تعاود التماس المغفرة، وقد تجتهد لتجنيب نفسها صراعات وحسابات سياسية.
وخلاصة القول اننا اذا اردنا استقطاب شبابنا فنحن بحاجة الى إعادة النظر باليات التواصل معهم، وتهيئة الفرصة لمشاركتهم في صنع مواضيعهم والحديث عن أمالهم وتطلعاتهم، اما على هذا الحال وما تعانية صحافتنا الوطنية من ضياع البوصلة، فان الشباب سينحازون الى عالمهم والبحث عن ادوات جديدة يعبرون من خلالها عن انفسهم كما هو في استخدامهم لشبكات التواصل الاجتماعي والذين اثبتوا من خلالها نجاحهم الباهر في توصيل رسالتهم وتسويقهم لبعض، القضايا والاماكن الاردنية، فقد وصل مشاهدات فيديو للشاب محمد العجارمة بعنوان (اغاني تراث قديمة) الى (314) الف مشاهدة، وهو رقم قياسي مقارنة مع توزيع الصحافة الورقية ومشاهدة التلفزيون الاردني، والذي لا يتجاوز مئات اذا جاز التعبير، هذه الحقائق التي اثبت شباب اردني عبر مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد ضعف وصول وسائل الاعلام الاردنية الى الشباب، اقناعها باخبارها ورسالته، اذا هناك حاجة ملحة لتغير تحرك وسائل الاعلام الوطنية في جزئية الاهتمام بالشباب وقضاياهم.
والسؤال لماذا لا تبادر المؤسسات الاعلامية المحلية الرسمية والخاصة الى تبني ابداعات الشباب الاعلامية، وتضمينها وفق تلك الوسائل، خاصة وان رسائلهم تصل الى مئات الالاف من البشر؟
جميع الدراسات البحثية الحديثة أثبتت قلة مقروئية الصحافة التقليدية لدى الشباب الاردني، بفعل عدة عامل اهمها، الثورة التكنولوجية الحديثة وانتشار استخدامات شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع تجاوز المليارات، ناهيك عن مجانيته وسهولة استخدامه وتوفرها بشكل مستمر. بينما بقيت تلك الصحف والوسائل التقليدية على حالها تحاكي امجاد وتعظم تاريخها ضمن فئة عمرية معينة، متناسية ان هنالك اكثر من 75 بالمئة من المجتمع الاردني شباب وهم الجيل الرابع.
ومن المفترض أن تكون وسائل الاعلام التقليدية مسؤولة عن توفير الخطاب الذي يكون ملائماً (للمجتمع بكل أطيافه) للحصول على أكبر عدد ممكن من المتلقين والمتابعين. ومع ذلك، وبسبب الطريقة النمطية لتصوير الواقع وتفسيره وبعده عن عالم الشباب، فإنه يتم تجاهل بعض الجماعات أو الفئات في المجتمع، وينتج عن ذلك صور غير مكتملة عن المجتمع.
ومن ثم على هذه الوسائل الانفتاح على الشباب والآخرين وتقبلهم، وإشاعة روح الثقة لديهم، وربما ذلك سوف يصنع مشاهدين مستنيرين بدلاً من متلقين سلبيين تسيطر عليهم وسائل الإعلام التي تكرس لديهم الصور النمطية غير المرغوب فيها.