مازلتُ يوسُفَ يا أبي
أنا يا أبي في السجنِ أنسجُ آيةً من سورة الكرسيِّ ومن صبري خيوطًا بعدما قُدَّ القميصُ
وجاءني خبرٌ بأنكَ لا ترى
عينايَ نهرٌ من لظى عينيكَ تشتعلانِ
من جمرِ النبوةِ
تسكبانِ الغيمَ في النيلِ المقدّسِ
كي يعودَ إلى الحياهْ.
ماذا فعلتُ لإخوتي كي يكرهوني هكذا
ألأنني شاهدتُهم ليَ ساجدينْ
ورأيتُهم يرمونني في الجُبِّ وحدي
آهِ من وحدي
وفي بيت العزيزِ
أتَوا كلُّهم ليَ صاغرينْ
يبكونني جاؤوكَ يا أبتي
تفيضُ عيونُهم كَذِبًا
وما استَبَقُوا يا أبي
ناشدتُهم باسم النبوّةِ أنْ يُراعُوا ذمتي
وطفولتي ودموعَ أمي حينما
تبيضُّ عيناها ويُمسي قلبُها
مُتصدِّعًا أو فارغا.
والذئبُ كانَ أحنَّ منهم يا أبي
بعدَ العِشاءِ عوى قليلًا
ثم دنا قريبًا، باتَ يخرُسُني
رأيتُ عيونَ أمي في السماءِ تقولُ ليْ
ستعودُ منتصرًا بُنيَّ فلا تخفْ.
للعابرينَ تودّدُوا
باعوا قميصي أولا ثم الجسدْ
ماذا فعلتُ لإخوتي ليُسَامِرُوا
في الليلِ مغتصبي ويبكوني نهارًا
يا أبي
قد أسلموني للعِدى يتخطفون براءتي
وكبيرُهم كصغيرِهم يتسوَّلونَ
ويرقصونَ على دمي
سرقوا الصُّواعَ وما حوى
والعيرَ قد باعُوا حمولتَها
ولم يتبقَ من رجولتِهم شيءٌ يباعْ
همْ يا أبي هدرُوا دمي بسيوفِهم
ورماحُهم قد كُسِّرتْ وتدفَّئوا بحطامها
ونسَوا نبوَّةَ بيتِنا في آلِ يعقوبٍ
فهم ليسُوا بنيكَ
يُصَرِّحُون
وأنتَ لستَ أبًا لهمْ
لكنني ما زلتُ يوسفَ يا أبي
رغمَ الحصار ورغم قيدِ السجن أو كيدِ الفراعنةِ الصغار.
وعلى طريقِكَ أحيا أو أموتُ
وفي يدي مصباحُكَ النبويُّ نجمًا
أهتدي بضيائهِ لأعودَ من سجني إليك
مُغَالبًا وجعي
إلى وطني وأمي والحياة... إلى لقاءْ.