رؤية سياسية الجدل البيزنطي الأردني إزاء المناهج المدرسية
د. جمال الشلبي
07-02-2020 12:14 PM
عندما أتذكر كيف كنا ندرس في سبيعينات وثمانينيات القرن الماضي في المدارس الحكومية - بإداراتها ومعلميها وطلبتها-أشعر بالفخر والفرح من ناحية، وبالحزن وبالتأسي على واقع التعليم الذي وصلنا اليه في وقتنا الحاضر من ناحية ثانية.
فهل يًعقل أن لايكون للدولة الأردنية بعد مضي 100 من تأسيسها استراتجية دائمة ومستمرة لتطوير المناهج التعليمية في مدراسها الـ 6000 بما يتماشى مع التقدم التكنولوجي الحاصل في ظل ثورة المعلومات والاتصالات بما يطلق عليه مرحلة "العولمة" و"القرية الكونية"؟
وهل يُعقل بأن الأحداث الجسام التي مر على العالم والعالم العربي والأردن جزء منه لم تؤثر على رؤية التعليم الأردني وواقعه بعد أحداث 11 سبتمر 2001، والاحتلال الأمريكي للعراق 20003، وموجة التدمير باسم "الربيع العربي" عام 2011 وإفرازه داعش وأخواتها عام 2014؟!
فمنذ أكثر من عامين تقريباً والرأي العام الأردني يتابع باهتمام التحولات والتطورات المتسارعة على ملف "الكتب المدرسية" بالخصوص والمناهج بالعموم، ما أحدث حالة من "الاستقطاب" غير المبرر لسببين: الأول، ان موضوع المناهج يتعلق بسياسة الدولة – أي دولة – المسؤولة الوحيدة عن تحديد أهدافها، وعناصرها، وأبعادها. وثانياً، انقضية المناهج المدرسية "قضية فنية" 100%، ومرتبطة بالأساليب والطرق الأفضل والأحدث للوصول إلى عقول الطلاب في مراحل تعليمهم المختلفة.
ولذلك، كان من المفترض أن تكون المناهج بعيدة كل البعد عن الصراع الأيديولوجي الحزبي الذي أفقد - بوعي أو بدونه - أصحاب القرار التعليمي بدرجاتهم المختلفة من القدرة على الحركة والتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بسبب ضغط الرأي العام الموجه!!
وعلى كل حال، كي نفهم الرؤى المختلفة لهذه القضية الوطنية المهمة، يمكن القول بأن هناك 3 اتجاهات تتفاعل مع ملف المناهج التعليمية في الأردن:
أولاً: هناك بعض الأردنيون الذين يعتقدون بأن المدارس أصبحت "مفرغة" من التعليم الحقيقي الذي عرفته المدارسة في عصرها الذهبي في الـ 50،60، 70، 80، من القرن المنصر، وأن هذه المدارس ومناهجها ومعلميها قدموا الآفضل، ما جعل الدولة والمجتمع الأردني ترتكز عليهم طيلة النصف القرن الماضي وما زال بعضهم يخدمون الدولة بطريقة يشار لها بالبنان.
ثانياً: البعض الأخر، لا يعترض على مضمون التعليم ومحتواه ، ولا حتى بمخرجاته الوظيفية أو المهنية والفنيية بقدر ما يمس هذا التحول والتطور على ما يعقتدوا بأنه يمثل" استفزاز" لهويتهم الوطنية والقومية أو لعقيدتهم الدينية. وربما قيام البعض بحرق بعض المناهج المقترحة من وزارة التعليم قبل عامين تقربيباً تعبر عن هذا الاتجاه؛ وهم بالغالب التيار الديني المسيس بالعموم والمتزمت منه على الخصوص.
ثالثاً: هناك من يعتقد بأن المناهج قد وصلت إلى مرحلة "الموت السريري"، وتحتاج إلى تغيير جذري ولو ببطئ وهدوء. وترتكز حجة هذا التيار - وهو التيار اللبرالي والتقني ويمثله بشكل مباشر " المركز الوطني لتطويرالمناهج الذي تأسس عام 2017 انعكاساً للإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية لعام 2016، ويرأسه حاليا معالي د. عزمي محافظة وزيرالتعليمالأسبق بعدما كان تحت رئاسة د.عدنان بدران لمدة عام - على أن العالم تغيير وأدواته التكنلوجية أيضاً، ناهيك عن تحولات الظروف السياسية والاقتصادية؛ إذ كيف سنولج إلى القرن 21 رغم كل هذه المستجدات وما زلنا نعيش في الماضي ومشاكله وهمومه وأوهامه الفكرية والفقهية... وغيرها؟!.
وكان الحل، كما يراه هذا التيار العمل على تطوير المفاهيم، والأدوات التكنولوجية في التعليم، والقيم، والمناهج، والإبداع، واللغات. وهكذا كان الهدف خاصة وأن الذي صاحب البداية الأولى والبداية الثانية مع د. محافظة هم "تقنيوا المناهج" المعروفون:
د.ذوقان عبيدات ود. محمود المساد، ود. رمزي هارون؛ وكلهم أكاديميون عرفوا "مطبخ التعليم"، ومكوناته، ووجباته المعرفية، وآلية تقديمها عبر كتب ومناهج بشكل علمي وفني ومهني رفيع.
وللأسف، كبقية الشؤون الأردنية، جرت نزاعات موضوعية وذاتية داخل المركز كادت ان تنهي دوره، لا سيما بعد استبعاد الخبراء الثلاث، ووقوع الاختيار على كتب مدرسية من دار كولونز الإنجليزية العالمية التي قدمت عروضها وتم ترجمت بعض مناهجها في مجالي العلوم والرياضايت في الصف الأول والرابع.
وعلى الرغم من تخصص هذه الشركة المعروفة دولياً، إلاأن الكثير من التيار الثاني"التقليدي" هاجمها لأسباب دينية وثقافية من ناحية، ولأسباب فنية مهنية من ناحية ثانية.(بالمناسبة تتحدث عن الرياضيات والعلوم وليس عن الدين أو اللغة العربية!!)
وهكذا، لم يعد ينظر للمركز بأنه "المنقذ" للطريق المسدود الذي وصلت اليه المناهج، لاسيما بعدما تم تسييس فكرة المناهج، وطباعتها، وتوزيعها، وحرقها أيضاً من طلبة مدارس بطريقة تثبت الحاجة الماسة إلى عمليات جراحية حقيقية بالمناهج!
حالياً، بعد توقف الهجوم على المركز" مؤقتاً"، وإبدال المجلس برئاسة نشطة على رأسها معالي د. محافظة بدأت الحياة تعود إلى مجراها الحقيقي، وتم إعادة خبراء التربيةالمخضرمين في التربية؛ د.مساد مديراً تنفيذياً للمركز، ود.عبيدات ود.هارون مستشارين، وعادت اللجات لتتشكل من جديد من مختلف التخصصات والتوجهات الفكرية، وبدأت أخطاء المناهج السابقة تصحح وتعدل ويضاف اليها؛ والكل ينتظر المولود الجديد من المناهج !!
والتساؤلات التي تطرح نفسها: كيف سيتفاعل الرأي العام الأردني إنتاج الموسم الجديد بحلته الجديدة التي تشمل مزيد من الانفتاح والعمق، والكثير من التحليل والنقد، والقليل من الوهم والأساطير؟؟! وهل سنحرقها بعدما عدلنا أم أنناسنستمر في لعب دور "الحارق والمارق" ضد أي شيء وكل شيء حتى ولو لا نعرف أي شيء؟ وإلى متى ستبقى "ورقة المناهج" تمثل ورقة سياسية ضيقة الأفق للبعض في حين أنها تمثل مشروع سياسي وثقافي للدولة برمتها؟
الحكمة تقول، يجب أن يتحمل الجميع المسؤولية،. وربما النقاش وحتى الجدل حول "المواليد القادمة" من الكتب بالمدرسية يجب أن يرحب به أولاً، ثم، تناقش أفكاره ثانياً، وبعدها نرى الطريقة لتطويرها وتعديلها ثالثاً؛إما نرفض هذه الكتب كونها صدرت من مكان أو من خلال علان فهذه قاعدة ساذجة في الحكم على الأمور.
بالنهاية، الكل يحاجة إلى مدرسة مستقرة بإدارتها ومعلميها وطلابها، يتغذون جميعهم من مصدر واحد يمدهم بالقوة المعرفية، والسمو الأخلاقي والقيمي، والمنهجية الحديثة ما يفرز، بالنهاية، جيل جديد من الأردنيين يحمل مستقبله بيديه، ويحمل مجتمعه ودولته وأمته بعقله وقلبه وضميره وروحه؛ وهو ما سيحاول المركز الوطني لتطوير المناهج فعله: فهل نعطيه الفرصة لتحقيق ذلك؟؟