رغم أن العلاقات العربية الكردية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، إلّا أن العرب لم ينتبهوا إلى أهمية التطرق إلي تلك العلاقات والعمل على دعمها، بل ولا حتى مجرد إجراء حوارات مباشرة بين الطرفين، ليفهم كل منهما الآخر فهمًا صحيحاّ، نعم جرت بعض اللقاءات العابرة والتي شابها الفتور أحياناّ من البعض ، ومن الأمور الجديرة بالذكر أنّ الكرد هم الأكثر حرصاّ على إثبات الجذور التاريخية لتلك العلاقة، فهم يجهادون أنفسهم كثيراّ في نبش التاريخ القديم والمتوسط والحديث ، للبحث عن رموز لتلك العلاقة، ولهذا الأمر دلالة هامة فهو يعكس رغبة دفينة لديهم للتقارب مع المكون العربي ومن الأمور الجديرة ا ألا تهمل هذه الرغبة عربياّ ، بل يجب أن تقابل بالدعم والإسناد، فإبراز نواحي اللقاءات مفيدة ولاشك، والعرب في هذا الصدد يعودون يقفون كثيراً عند محرّر القدس وقاهر الصليبيين؛ صلاح الدين الأيوبي، (وما أحوجنا الآن إلي صلاح الدين)، ولعبق تاريخ صلاح الدين، ولزهرة المدائن محررة، فها نحن نرى المناخ السياسي محتدماّ حالياً وبشدة حول تلك المدينة المقدسة والتشبث العربي والإسلامي الواهن (في غياب صلاح الدين) بأن تبقي عاصمة لفلسطين لا لإسرائيل.
والكرد في هذا الصدد يعودون الى التاريخ القديم لوجود شخصيات عريقة ساهمت به ولا زالت الى يومنا هذا .
إن في قلوب العرب لحسرة على واقعهم الذي غاب فيه من يماثل صلاح الدين، والتاريخ يشهد أيضاً على الدور المهم الذي لعبه الكرد في حضارة المنطقة، فما أكثر رموزهم التي أسهمت بقوة في ذلك، منهم سيبويه مؤسس علم النحو، ومؤسس الدولة العباسية أبو مسلم الخراساني، ورب السيف والقلم محمود سامي البارودي، ومحرر المرأة قاسم أمين، والعائلة التيمورية تلك العائلة الأدبية الشهيرة، وعائلتَي بدرخان ووانلي، ولا يتّسع المجال لذكر كافة تلك الرموز، وما أكثرها.
ممّا يذكره التاريخ أن الأخوين بدرخان لم يجدا سوى القاهرة ليصدرا منها أوّل صحيفة كردية في التاريخ عام 1889، والصفحة الأولى لتلك الصحيفة هي التي تزين درع نقابة الصحفيين بكردستان العراق حالياً، كما يذكر أيضاً أنّ أول إذاعة كردية في التاريخ بثت من القاهرة عام 1957 وبأمر من عبد الناصر، ومن الأمور الطريفة أنّ تركيا احتجت على فتح تلك الإذاعة، فاستدعى عبد الناصر السفير التركي في القاهرة، وسأله (هل في تركيا أكراد؟)، فأجاب السفير بالنفي، هنا قال عبد الناصر: فلماذا الاحتجاج؟، ولنا هنا ملاحظة، فعبد الناصر أمر بفتح تلك الإذاعة في إطار صراعه السياسي مع حلف بغداد (نوري السعيد ـ عدنان مندريس)، وليس حباّ بالكرد، وتلك حالة كانت ملازمة للحركة الكردية طوال تاريخها، (انجلترا وموقفها المتغير من محمود الحفيد، الاتحاد السوفييتي وقاضي محمد ومهاباد، إيران والملا مصطفى البارزاني، الولايات المتحدة ومواقفها المتباينة من الحركة الكردية….الخ)، وفي مصر توجد عائلات عديدة تعود أصولها إلى القومية الكردية، فإضافة إلى ما ذكرناه من أسماء نجد أن لقب الكردي تحمله بعض العوائل المصرية، وكذلك ألقاب الكرداوي والكرداني، كما أن لقب الدمرداش والذي يسمى به حي من أحياء القاهرة، وكذلك المستشفى الجامعي لجامعة عين شمس، هذا الاسم كان في الأصل الديمرطاش، وكما هو مكتوب على ضريح من أطلق اسم الحي عليه وهو كردي الأصل، كما أنّ عائلة محيي الدين والتي منها اثنان من أهم رجال ثورة 1952 (خالد وزكريا) هي من أصول كردية، إضافة إلى الإمام محمد عبده، كما أنّ عباس محمود العقاد كردي الأم، وكان للأكراد رواق بالأزهر الشريف، عندما كان نظام الأروقة هو النظام التعليمي المتبع فيه، ولو انتقلنا إلى المحيط العربي لوجدنا رموزًا كردية عديدة تؤكد على عمق العلاقات التاريخية العربية الكردية، وهي التي يجب أن نبني عليها حالياّ قناعتنا التامة بأهمية توطيدها، من أجل تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، ولتوضيح ذلك فإنه من الواجب الإشارة إلى ما تعرّضت له منطقتنا من كوارث، كان لتجاهل المسألة الكردية والتعامل الخشن الفج معها أحد أسباب تلك الكوارث، وربما أهمها، ويذكر في هذا الصدد مسألة الحدود العراقية الإيرانية، تلك الحدود التي تم رسمها بموجب ميثاق سعد أباد عام 1937، وبموجب هذا الميثاق وقع الخط الحدودي بين الدولتين شرق شط العرب.
إنّ التعتيم والتجهيل الذي خيم على طبيعة العلاقات العربية الكردية، جعل كل من الطرفين ينظر إلى الآخر نظرة ملؤها الشك، فعزيز الحاج الأمين العام الأسبق للحزب الشيوعي العراقي يقول في مقدمة كتابه عن الكرد: “إن سبب بقاء المشكلة الكردية بلا حل هو الشك المتبادل بين الحركة الكردية والحكومات العراقية المتعاقبة”، ففي ظل غياب الحوار والمكاشفة وفقدان الشفافية، راجت الأساطير المشوِّهة بين الطرفين كل عن الآخر، ممّا جعلهما طرفَين معاديين، وأنّ مصالح كل طرف لا تتمّ إلّا على حساب مصالح الطرف الآخر، وتمّ نسيان التاريخ المشترك العظيم الذي كان كل طرف فيه سند للطرف الآخر، وعلى الرغم من أنّ الكرد الذين تتواجد مناطقهم التاريخية في أحضان العرب (العراق وسوريا)، هم حاليًّا الأسعد حالاّ بالمقارنة بأقرانهم المتواجدين في تركيا وإيران، وما كان يجب أن يترتب على ذلك علاقات بين الطرفين؛ (العربي والكردي ، وكان من الواجب أن يؤكد هذا الصوت الكردي على معلومة تاريخية موثقة، وهي مشاركة الكرد للثورة الفلسطينية في كفاحها ضد إسرائيل، وأنها قدمت 12 شهيداّ في معركة قلعة شقيف بلبنان، ولأن كردستان العراق هي التي كانت حاضرة في الذهن العربي، فإن المسألة الكردية حتى وقت قريب كانت تنحصر في الذهن العربي بشكل عام في كردستان العراق، وفي لحظات نادرة كانت المسألة الكردية في تركيا تقفز للصدارة،
من كل ذلك نخلص إلى أهمية تنقية نظرة كل طرف للآخر مما بها من شوائب، فما بين الطرفين من إيجابيات أكثر بكثير مما بينهما من سلبيات لا دخل للشعوب بها، فالعامل الجغرافي يحتم ضرورة علاقة حسن جوار بل ود متبادل بينهما، إذ من المستحيل أن يعطي طرف منهما ظهره للآخر، بل على العكس لابد أن يكون كل منهما سند للآخر وستظل الاردن بمكانتها عربياّ وإقليميًّا، وهي بوابة العرب بكل تأكيد، وعلى الاردن حكومةً وشعباً إدراك أن الأكراد صاروا رقمًا مهمًّا ليس في الدولتين العراقية والسورية فقط، بل على المستوى الإقليمي وربما الدولي أيضاً، ، وكخطوات أولية لذلك فإننا نقترح أن تقوم منظمات المجتمع المدني (العربية والكردية) بالخطوات الأولية، والتي تشمل حوارات ثقافية واجتماعية بين الطرفين؛ جميع الاطراف وورش عمل في القضايا العقدية، ثم مؤتمرات موسعة يشارك فيها المتخصصون من الطرفين، مع تدعيم العلاقات بين المراكز البحثية وتبادل المطبوعات فيما بينهما، وخلال هذا العمل المشترك ستبرز آفاق جديدة للعمل المشترك، فإنّ الأمل كبير في نتائج الإقدام على هذه الخطوات، لأنّ تدعيم العلاقات العربية الكردية سيثمر خيراً على الطرفين، وسيسهم بلا شك في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
نتمنى أن تعود الحوارات العربية والكردية الى أكثر من مساق وأبراز دورهم الطبيعي بالمشاركة بين جميع الاطراف فالحكمة تقول( من يكذبك فيما تعرفه لا تصدقه فيما لا تعرفه) تعرض الكرد للكثير من الويلات والخيانة والالاعيب أظن قد حان الوقت لدعم قضيتهم ومواقفهم .