ما ان انتهت المنطقة من مناخات التطرف والغلو والارهاب الذي سيطر على اجوائها طيلة الفترة الماضية حتي بدأت مناخات التجاذبات السياسية والدبلوماسية تتشكل في اجوائها منذرة بتداعيات عميقة قد تطال مستقرات الامن والاستقرار المجتمعي لشعوب المنطقة لاسيما بعد ما تم اشهار صفقة القرن في البيت الابيض وبحضور رئيس حكومة تل ابيب نتياهو وتيار الايباك.
وعلى الرغم من كل التحذيرات التي بينها عمق الدولة الامريكي والنصائح التي اسداها بعض من قيادات المنطقة والتي اكدت ضرورة ابتعاد الولايات المتحدة عن الانحياز لصالح مشروع التيار المتصهين في اروقة القرار الامريكي الا ان الرئيس ترامب انحاز لصالح مصلحته الانتخابية على حساب قرارات الشرعية الدولية والمواثيق البينية التي كانت واشنطن طيلة السنوات الماضية الشريك الضامن فيها للعملية التفاوضية.
وهذا جاء على حد وصف بعض المتابعين الى مواجهة معركته الانتخابية بتحديات كبيرة نتيجة طبيعة المحاكمة التي يتعرض لها في مجلس الشيوخ مما استوجب عليه ان يفي بالتزاماته مع التيار الاكثر نفوذا في دوائر صنع القرار الأمريكي وهو تيار الايباك هذا اضافة الى جزء مؤثر في الحزب الجمهوري (تي بارتي)، وكلاهما يشكلان عاملا مهما في حسم نتائج المحاكمة كما في دعم برنامجه الانتخابي في الانتخابات الرئاسية في الفترة الثانية.
ومن المنتظر ان لا يبقى ترامب اسير ذات التوجه ويعمل بذات الحماس بعد تحلله من ضغوطات الايباك بعد انتخابات نوفمبر القادم حيث ينتظر ان يعيد حساباته ويقوم باعادة توظيف سياسات في البيت الابيض ومع كل القوى السياسية وبما في ذلك الحزب الديموقراطي الذي يبدو ان معركته ستكون منصبة تجاه انتخابات الشيوخ اكثر من تركيزه على الرئاسة في انتخابات نوفمبر القادم، بهذا تكون الانتخابات الامريكية قد اتضحت صورتها قبل موعد التصويت فيها.
ومن جهة اخرى مازالت مسالة تاثير الانتخابات الاسرائيلية على المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة لم تحسم بعد على الرغم من ضيق الفارق بين غانتس ونتنياهو، فان فوز نتنياهو سيعني دعما كاملا لصالح ترمب وفوز غانتس سيعود بالنفع على جزء من انتخابات مجلس الشيوخ لصالح الحزب الديموقراطي الذي يبدو انه مهتم بانتخابات الشيوخ اكثر من تركيزه علي سدة الرئاسة، وهذا يمكن قراءته في سياق امكانية سيطرة الحزب الديموقراطي على الاغلبية في الشيوخ والذي يشكل في الولايات المتحدة مصنع القرار السياسي وهذا ما سيحمل انعكاسات على طبيعة المشهد السياسي في المنطقة كما للقضية المركزية فيها.
وضمن هذه الفرضيات الموضوعية التي يبدو انها اقرب للتحقيق، فان التعاطي مع المشهد القادم بحاجة الى استراتيجية عمل مبنية على هذه المعطيات التي يمكن التعاطي معها ضمن جمل سياسية موضوعية من اجل بناء حالة تعاطٍ مع خيارات المشهد القادم بكل ما فيه من تداعيات تفصيلية وتعقيدات تحالفية، فان نتائج الانتخابات الاسرائيلية سيكون لنتائجها اسقاطات على طبيعة المشهد الانتخابي الامريكي وطبيعة مجريات الاحداث بعد ما بينت القرائن ان ما تم تقديمه من رؤية في صفقة القرن لن يرى النور ولن يحقق فائدة لا على صعيد حفظ الامن في المنطقة ولا في اتجاه انشاء التيار الاقليمي الذي كان يمكن انشاؤه لولا المصالح الانتخابية واسقاطاتها المنفعية في المشهد السياسي.
فاذا ما اتضحت صورة المشهد بعد جلاء غبار مولد اشهار الصفقة قمن المتوقع ان ينحاز العالم لصالح شرعيته وقرارته الاممية ليس انتصارا لصوت العدالة فحسب الذي تشكله القضية المركزية بقدر من انتصاره للامم المتحدة والمنظومة الدولية التي يراد اختطافها لحساب ما تقوم به بعض القوى في البيت الابيض التي ما فتئت تنسج خيوطها بهدف ايجاد منظومة جديدة متفردة في قيادة العالم في القرن القادم.
(الدستور)