محمد حمدان: عليك سلام الله
د.مهند مبيضين
06-02-2020 01:31 AM
محمد حمدان، لم يكن مجرد استاذ جامعي، أو رئيس مجلس أمناء جامعة، أو وزير. كان فوق كلّ مواقعه الوظيفة رجلاً بسيطاً، لكنه غني بخلقه وعفته وتواضعه، وتلك مناصب عابرة.
ترك خلفه أزمة لمن صاروا مثله من جيله ومن بعده، فكيف لرجل صار وخالط بعضا من الذين يعتقدون بهيبتهم وبقيمتهم العالية في المجتمع، وديدنهم وهاجسهم الحفاظ على ما جنوا من مال الغربة في الخليج أو من المناصب واللجان، ولا يمكن لهم أن يتبرعوا بشيء من مالهم، بل أن بعضهم يطفئ نور بيته كي لا يأتيه الضيوف، أو نجده يهرب من كل مناسبة كل لا يتكلف بشيء، والتعميم هنا ليس مطلقا فثمة ذوي يسر وكرم وحكمة والناس في ذلك كله درجات.
لكنه رحمه الله فعلها، ملقناً المنتفخين هيبة وأسهماً ومالاً، والمضنين بيدهم ومالهم بأنهم ليسوا إلا رقما وعمرا من السنوات والمناصب التي لم يكنوا على استحقاقها، وأنهم لا يساوون تجربتهم المنطوية والآفلة، وبعضهم تلك هي حيلته، وآخر نجده مغتربا عن الناس، وبعضهم نال الكثير من الجاه وأمر الدنيا وحين توفي لم يقف على قبره ما يتجاوز العشرين رجلا.
فعلها محمد حمدان، وترك وراءه، مدرستين: الأولى اسمها الخلق، والثانية يصحُ ان تسمى الكرم، وبكلفة جاوزت أكثر من نصف مليون دينار لبناء مدرستين، لأبناء الأردن، صانعا المعروف بين الناس، وتاركاً وراءه في الدنيا صدقة جارية لا تنقطع.
فطوبى لك أبا أحمد، ولله درك، وأنت اليوم تذهب إلى دار الآخرة مجللاً بالطيب والرضى، ودعاء الذين وقفت معهم وساندتهم في حياتك المديدة بالخير والمسلك الوطني الراقي، والخبرة المؤسسية والسبق في الكرم والبر بالأهل والأصحاب، كما لو أن محمود سامي البارودي قد قال فيك:
سابقونى فقصَّروا عَنْ لَحاقِى
إِنَّمَا السَّبْقُ مِنْ خِصالِ الْجَوَادِ
وَضَعِ الْبِرَّ حَيْثُ يَزْكُو لِتَجْنِي
ثَمَرَ الشُّكْرِ مِنْ غِرَاسِ الأَيَادِي
في مسيرة الراحل الكبير، الكثير من سَمت الكبار، ومن عفتهم ومن الرضى، وهو الرافعة الحقيقة لأسرته فعني بتعليم إخوته، وقد اشتغل طفلا، ثم وهو طالب في الجامعة لتدبر مصروفه، ويدعم أسرته، كان محمد حمدان يشبه الأردنيين جميعهم في ضنك الحياة وفي التعب، لكنه كان منفردا بالكثير من السجايا الطيبة التي لا تتكرر في رجال الدولة ومجتمع الجامعات.
ومن مقاطع حياته وذكراته المرة نجدها في عمله طفلاً وشاباً، ففي كل عطلة صيف كان الراحل يعمل في محطة بنزين قائلاً في ذات لقاء معه:»... لا يوجد كهرباء ولا مضخات كنت اعبئ السيارات عبر البرميل والمحقان كنت طفلا وكانت الأجرة شلن وكنت اتعب من حمل براميل البنزين والديزل، وكنت اعمل بتدريس الطلبة بمصر، وفي استراليا عملت في مصنع صوف، فوفرت لنفسي مصروف العطلة...الخ».
ختاما كان محمد حمدان رجل خلق، ومروءة، وسبيل عون، وعصاميا فريدا من نوعه، لم يبخل ولم يضن على احد بشيء، فكرمه سُيبقي ذكره بعدما، ضمهُ الثرى، فالكريم يخده الطيب، ولا كريم إلا من كان حراً، وكأن أبا تمام قد أصدق القول فيه:
ثَوَى في الثَّرَى مَنْ كانَ يَحيا به الثَّرَى
ويغمرُ صرفَ الدهرِ نائلُهُ الغمرُ
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني
رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ
الدستور