الانشغال بالصحافة إلى درجة الانهماك ليس ككل المهن والوظائف ؛ وليس كالكتابة في صحيفة أو أكثر .. انه في هذا العصر ابعد الأمور عن الحصافة ، والسلامة ، واقرب ما يكون من الجلطة الدماغية أو قرحة المعدة ، وحبوب الأسبرين ووجع الرأس وهرم القلب .. وربما أشياء أخرى ليس اقلها بيع ذهب ومصاغ الزوجة. وسمير الحياري قبل أن يقرر إطلاق "عمون" كان صحفيا لامعا وكاتبا حصيفا ومواطنا يشار إليه بالبنان ويعيش سالما آمنا يأتيه رزقه رغدا ، فكفر بأنعم الهدوء والسكينة والعمل في الصحافة الجليلة ، واختار أن ينشغل بالصحافة وليس فقط أن يشتغل بها .. فأصدر " عمون" : وكالة إعلامية خاصة .. من اجل العموم ..!!إنها أوراق اعتماد يومية يتقدم بها " الباشا " والعاملون معه إلى ضمير الشعب ووجدان الوطن وصفحات التاريخ وقناعات القارئ .. وهي اقتراح يتجدد كل لحظة لصياغة أحلام وتطلعات ومطالب واحتياجات الناس لمنبر شجاع ينهض بأعباء مسئولية تحويل الأبجدية واللغة والكلمة والصورة إلى بيان وطني.. وضمير وطني .. وزغرودة وطنية.. وآهة وطنية أيضا..
عمون : حالة أردنية أصيلة لانبجاس الحقيقية من ثنايا غوغاء التصحيف والتحبير ؛ وعمون وصفة أردنية خاصة فيها شيء من شيح الكرك وقيصوم السلط ودحنون ماحص وبرتقال الشونة ورمان الطفيلة وزيتون برما وقمح اربد ، مهمتها تحرير الوعي من أغلال الخوف ، ودك ركن شاهق لسقف الحرية ، يطاول الثريا ، ويحولها من حرية كلمة شاردة إلى حرية موقف ثابت ركين .
عمون : ليست مقالة عفوية أو تحقيقا انفعالياً ، فالصحافة العملية فعل تنموي ، وممارسة نهضوية ، وانشغال يومي بما قد يزعج الناس ويفجر أوداجهم ، ولكنه في نفس الوقت يحيي فيهم الكرامة والعزة والحرية ، وحقيقة أن الوطن ليس وزيرا ولا حكومة ولا جهازا أو مديرية .. وحقيقة أن الخبر لا يعود خبرا عندما يكون مرسلا للصحيفة من موظف علاقات عامة..
عمون هي أول وكالة إعلامية خاصة أردنية ، وربما هي أول وكالة من نوعها على مستوى الإقليم .. ولكن هذا لا يعني أن "الباشا " ومن معه سوف يبدأون من الصفر . فحسب معرفتي بسمير الحياري ، فانه سيبدأ من آخر حرف في "النهار" ، وآخر جملة في "السفير" ، وآخر كلمة في "الرأي " و"الدستور" ، وآخر برنامج وصلت إليه التقنية الحديثة في الانترنيت . وهو شخصيا خبرة وطنية احترمها ، ومعه مجموعة من الخبرات الأردنية الناجزة والواعدة بالكثير .. وبالتالي فسوف أتوقع منهم صحافة جيدة، قبل أن أتوقع موقعا صحفيا وإخباريا جيدا.. فثمة في الأردن الكثير من الصحف والصحفيين، والأخبار فيها " على قفا من يشيل "..
ولن ازعم أن كتاب وصحفيي " عمون" سيرتدون البذلات المرقطة ، ويصبحون جنودا في كتيبة مغاوير ، يقودها "اللواء الركن" سمير الحياري .. !
كما أنني لست ممن يرسمون سياسة هذه الوكالة، أو ينظرون لفلسفتها..
ولكني اعتقد أن "عمون" ستتمسك بآخر ما يمكن إنقاذه من معادلة الجمع بين الجهاد والاستثمار .. وبين الأصالة والحداثة .. وبين الليبرالية والوطنية .. وبين الرسمي والشعبي .. وبين العام والنخبوي .. وبين الصحافة الجدلية والصحافة الوطنية .. وفي غضون ذلك سوف أتوقع أن يصبح "الباشا سمير الحياري" ذات يوم : " المدعو سمير الحياري " في خبر بسيط على الصفحة الأولى في جريدة استثمارية يقول انه تم توقيفه بأمر من مدعي عام بالوكالة ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب ومستشار إعلامي / البحرين
Kateb99@gmail.com