"استعادة هيبة الدولة" .. خطوات حاسمة، بلا ضجيج
د. محمد أبو رمان
29-12-2009 03:37 AM
بات من الواضح أنّ التغييرات الأخيرة في المؤسسات الدستورية الرئيسة (البرلمان والحكومة) تعكس مشروعاً أكبر من الشق المعلن، الذي تبدّى في الأيام الأولى للحكومة تحت عناوين: مكافحة الفساد، ترشيد المال العام، مواجهة الأزمة الاقتصادية والانتخابات النيابية.
الشق الأهم، غير المعلن، يجري بهدوء شديد، وتشي به بعض المؤشرات والأخبار، في سياق المراجعات العليا، وذلك في إطار ترسيم العلاقات بين الدولة والمجتمع والمواطنين.
بالعودة إلى كتاب التكليف الملكي للحكومة فإنّ علاقة الأمن بالمواطنين تحتل موقعاً مهماً فيه، إذ جاء: “حق المواطن وكرامته خط أحمر، وكرامة الأردنيين عندي أسمى وأقدس من أن يمسها أحد بسوء. وقد ساء الأردنيين جميعا بعض مظاهر العنف والاعتداء على المواطن والمعلم والموظف والطبيب. وهذا أمر مرفوض بكل الأحوال. ولذلك فيجب تفعيل القوانين وتطبيقها على الجميع بمنتهى العدالة والحزم”.
العنوان الرئيس الذي يجمع كل الظواهر الأمنية والاجتماعية السلبية، التي شهدتها الأشهر الأخيرة، هو التعدي على “هيبة الدولة” وعلى سيادة القانون وتجاوزهما، وهي حالة أقضّت مضاجع شريحة واسعة من المسؤولين والمواطنين.
الخطوات العملية، لاستعادة هيبة الدولة وتأكيدها، بدأت، فعلاً، من خلال تغييرات طاولت أجهزة سيادية، وما تزال، في سياق ترتيب الأوضاع لمواجهة هذا الاستحقاق.
أحد أبرز العناوين الرئيسة، في ترتيب البيت الداخلي، هو سؤال العلاقة بين الأمن العام والدرك، وقد شهدت التباساً وغموضاً، منذ تأسيس جهاز الدرك، ويجري حالياً إعادة بنائها هيكلياً.
بالتوازي مع ذلك، تأتي عملية “التمشيط الأمني” في الشونة الجنوبية، بعد أن تكرّرت حالات الخروج على القانون والاعتداء على ممتلكات الناس، والاستهتار بالدولة، ما دفع إلى تشكل ظاهرة غير مسبوقة بالأردن تتمثل بـ”الجيوب المارقة”- الخارجة على القانون، وذلك باستثمار عباءات اجتماعية والاستقواء بها على الدولة.
في السياق نفسه، تُقرأ تصريحات محافظ البلقاء أمس بأنّ الحملة الحالية لن تخرج من اللواء “حتى يتم تحقيق الأهداف المرجوة، والقبض على آخر مطلوب”.
“حملة الشونة” تتزامن مع لقاء المسؤولين بعدد من وجهاء بعض المدن والمحافظات والتأكيد على منهج الدولة الحاسم في التعامل مع المطلوبين، وظواهر الاعتداء على ممتلكات الناس والدولة، وقد تخلل ذلك مواجهات مع مطلوبين في عدة مناطق.
والحال هذه من المتوقع أن تبدأ حملات مشابهة في مناطق أخرى اشتهرت بـ”الجيوب المارقة”، خلال الفترة المقبلة. ومن غير المتوقع، كذلك، أن يتم التهاون مع حوادث العنف الاجتماعي أو الاعتداء على الدولة ومؤسساتها وهيبتها في المستقبل.
تطبيق القانون بصورة صارمة على الجميع وفرض احترام الدولة على المواطنين مسألة لا تقبل الجدل أو النقاش، وهي عنوان من عناوين الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي.
في المقابل، فإنّ كتاب التكليف الملكي ركز على كرامة المواطن، باعتبارها خطّاً أحمر، وهو ما يدفع إلى تعزيز عملية إصلاح “القطاع الأمني”، والتأكيد على وجود رقابة واضحة وصارمة للتأكد من الالتزام بحقوق الإنسان، ومحاسبة من يتعدّى ذلك، وفق معايير وإجراءات واضحة ومعلنة.
بالعودة إلى انفجار العنف الاجتماعي، خلال المرحلة الأخيرة، وبعيداً عن الأسباب السياسية الرئيسة غير المباشرة، فإنّ بعض حالات الشغب والاحتقان نجمت عن التمادي في استخدام القوة مع المواطنين، وإزهاق أرواح، واعتداء على كرامة الناس، ما يدفع إلى وضع حدّ صارم لهذا الخلل الكبير، لبناء التوازن الصحي المطلوب.
تشيرمراكز حقوق الإنسان والمنظمات المستقلة، كذلك، إلى عدم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان في مرحلة توقيف المشتبه بهم، والمطلوبين، وإلى ضرورة تحسين شروط (نظارات الشرطة)، والتقيد بالقانون في التعامل مع إجراءات التحقيق والتوقيف، وعدم القبول أن تكون هذه المراحل خارج دائرة الضوء.
كرامة الوطن من كرامة المواطن، وهما وجهان لعملة واحدة، والعنوان الذي يظلل هذه المعادلة، ويرسم علاقة صحية بين الدولة والمواطنين هو سيادة القانون على الجميع واحترام حقوق الإنسان وصون كرامته، ووجود آليات محاسبة ومراقبة واضحة ومعروفة وشفافة.
الغد