الأردن وصفقة نتنياهو – ترامب
جهاد المومني
04-02-2020 01:59 PM
من الواضح من خلال عرض صفقة نتنياهو – ترامب ان كل منهما لم يضعا بحسبانهما مصالح الاردن، لكنهما في الأقوال سواء تلك التي صدرت عنهما او عن ممثليهما والمقربين منهما اعلنا عن ان الصفقة لا تضر بمصالح الاردن، حتى ان كوشنير نفسه قال ان الوصاية على المقدسات ستبقى للملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ولم يأت على ذكر اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ومستقبل قضيتهم وحقوقهم، كما انه لم يأت على ذكر اي من قضايا الحل النهائي التي يعتبر الاردن طرفاً اساسياً فيها كقضيتيّ المياه والحدود، لقد أختزل مصالح الاردن في قضية الوصاية على المقدسات وهذا اخطر ما في الأمر، إذ ان مصالح الاردن الاستراتيجية المتداخلة مع الشأن الفلسطيني لا تنحصر في مسألة الوصاية على المقدسات، فالوصاية بحد ذاتها لا تكون مهمة اذا لم تراعى مصالح الاردن الاستراتيجية ذلك ان قضية القدس وما فيها من مقدسات اسلامية ومسيحية ليست اردنية فقط وانما عربية واسلامية وعالمية وعلى المسلمين والعرب والمجتمع الدولي حماية المقدسات والدفاع عنها، اما مصالح الاردن فلا وصاية عليها الا للأردن ولن يدافع عنها احد غيره ولذلك فأن الوصاية على المقدسات ليست كرماً ولا هبة من احد وانما مهمة مكلفة الثمن يتكفل بها الاردن انطلاقا من إحساسه بالواجب الديني والقومي والوطني بل والأممي على عكس نظرة الآخرين ممن اعلنوا عن انفسهم منافسين على هذه الوصاية لاعتقادهم انها مجرد علاقات عامة و( بريستيج) سياسي يضاف الى مقتنياتهم الثمينة ،والوصاية هنا ليست منطلق الأردن الوحيد في رفض الصفقة المشبوهة ،فهناك مصالح استراتيجية للدولة الاردنية جرى التغاضي عنها او حتى اهمالها دفعت بالملك عبدالله الثاني الى استباق الاعلان عن الصفقة بالابراق الفوري برسالة تحذير اردنية الى واشنطن عبر البرلمان الاوروبي أكد فيها على ان الاردن لن يقبل الا بصفقة عادلة ،ثم جاء الموقف ليؤكد الرفض الأردني للصفقة بعد إعلانها على لسان ترامب ويشكل مع الرفض الفلسطيني الحاجز الاقوى بوجه طموحات اليمين الاسرائيلي المدعوم كلياً من ادارة ترامب.
فهل تكفي شجاعة الاردن وصلابة الموقف الفلسطيني حتى الآن في مواجهة مؤامرة كبرى بحجم صفقة نتنياهو - ترامب وهل يحتمل الاردن ثمن مواقفه الكبيرة والمصيرية عندما يكون طرفها الآخر الولايات المتحدة الداعم الأهم للأردن مالياً وسياسياً والحليف الاستراتيجي الذي اعتمدنا عليه في الكثير من قضايانا الاقتصادية والسياسية خاصة في العلاقات مع الكيان الاسرائيلي ....؟
سؤال كبير بحجم المعضلة التي يواجهها الاردن اليوم وهو تعتمد في الكثير من متطلبات بقائه على الدعم الاميركي ،واتفق مع كل الذين يرون في الرفض الاردني لصفقة نتنياهو – ترامب مغامرة محفوفة بالمخاطر رغم نبل الموقف وشجاعته في رفض مشروع تعتمده الادارة الحالية بكامل ثقلها حتى لو كان ذلك من اجل مصالح انتخابية في واشنطن وفي تل ابيب حيث يواجه كل من ترامب ونتنياهو تحديا خاصاً به يقرر مستقبله السياسي يتمثل في حالة ترامب بمحاكمة العزل وتداعياتها التي قد تسفر عن خسارته للانتخابات القادمة إن لم تخرجه من البيت الابيض نهائيا قبل الانتخابات ،وفي حالة نتنياهو الذي يحاكم بتهم فساد معيبة ويحتاج الى منجز يتغنى به امام المتطرفين في المجتمع اليهودي وهم اغلبية تنتظر من نتنياهو ما يدغدغ العواطف ويشجع على خطوة متطرفة لمواصلة الثقة بحكومة موغلة في التطرف ،خطوة بحجم ومستوى صفقة القرن او ضم غور الاردن او شرعنة الاستيطان على كامل اراضي الضفة الغربية المحتلة وهنا أيضاً لا بد من سؤال كبير آخر ،ماذا لو وافق الأردن على الصفقة كما يدعي بعض المشككين، هل ترى كانت ستواجه نفس المستوى من الفشل ام ان ادارة ترامب راهنت في لحظة ما على ان الاردن الذي يعاني اقتصادياً سوف يفتح ثغرة للصفقة حتى لو كانت هذه الثغرة سياسية فقط مقابل انتعاش اقتصادي وربما مقابل ديونه كلها ..!؟
الموقف الاردني الشجاع تجاه القدس والقضية الفلسطينية عموما يجب ان يقابل باحترام ذوي العلاقة اولاً ،وهذا ما يحدث بالفعل فالاشقاء الفلسطينيون يقدرون عالياً وقفة الاردن معهم ومع قضيتهم ،وباتوا على ثقة تامة ان الاردن في عهد الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ليس هو نفس الاردن في اي عهد آخر، فلا خيار للاردن غير خيار اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، لا فدرالية ولا كونفدرالية ولا توطين وانتهى الى غير رجعة ما كان يعرف ب(الخيار الأردني)، وهذه هي المبادئ الأساسية التي تحمي القضية الفلسطينية من الذوبان وتبقي المرجعية لأهلها والقيّمين عليها بينما يبقى الاردن داعماً ومؤيداً، كما أن الموقف الاردني يجب أن يحظى بإحترام الدول والشعوب العربية والاسلامية، والاحترام هنا لا يكون في كيل المدائح وحسب، وانما في دعم واسناد الموقف الاردني والدولة الاردنية كي تبقى على صمودها وشجاعتها وبخلاف ذلك فأن الخلل سيعتري معادلة الموازنة بين مصالحنا مع الولايات المتحدة وقدرتنا على التصدي لمشروعها الخاص بالقضية الفلسطينية بشكل عام ولقضية القدس بشكل خاص، فكيف للاردن ان يتحمل تبعات موقف شجاع بحجم رفض مشروع تتبناه ادارة ترامب ما لم يتقدم العرب للوقوف الى جانبه بالفعل وليس بالكلمات فقط، ومعروفة وغير خافية على احد احتياجات الاردن التي تنهك اقتصاده وترهق فاتورة العيش بالنسبة لمواطنية.
في نهاية المطاف لسنا ملزمين بالدفاع عن مصالح غيرنا حين تكون مصالحنا في خطر، ولسنا ملزمين بالتغطية على عار الامة بدولها وانظمة حكمها وحماية النظام الرسمي العربي من تبعات تخاذله امام الشعوب العربية، علينا ان نفكر برعونة عندما يتعلق الأمر بمصير بلدنا ومتطلبات حياة إنساننا، وعلينا ان نقابل التخاذل بأنانية وحرص أكيد على الأردن ثم بعد ذلك فليكن ما يكون، فما من مقدس أكثر من تراب هذا الوطن وما من شرعي بالنسبة لنا غير نظامه السياسي الذي يجازف كثيراً من اجل مصالح الامتين العربية والاسلامية وهي رسالة يؤديها بلا مقابل شريطة الا نتعرض للخيانة كما حدث في اوسلو وذلك أضعف الايمان.
هذه المرة يقترب الخطر أكثر من ذي قبل، لكن السيناريوهات متشابهة، فهل يتكرر سيناريو 1991 عندما وقف الاردن وحيداً في مواجهة غزو الولايات المتحدة للمنطقة العربية وتدمير العراق فتعرض للحصار السياسي والاقتصادي ولعداء أميركي تمثل في محاولات عزل الاردن عربياً وقطع المساعدات المالية عنه، هل سندفع هذه المرة ثمن موقفنا المشرف من مؤامرة القرن حصاراً اقتصادياً وسياسياً وتجويعاً ومحاولات خسيسة لزعزعة أمن الوطن الاردني كما تفيد التسريبات من اروقة بيوت التآمر في إسرائيل، وهل يملك الاردن اساساً القوة لمواجهة مؤامرة بهذا الحجم والمستوى ومتآمرين بهذه القوة؟
إن على الاردن الا يغامر بخسارة تحالفه مع الولايات المتحدة كي يقال اننا شجعان وتحتفي بشجاعتنا بعض النخب التي لن تتردد في اعادتنا الى قائمة المتخاذلين عند اول مفترق لا يتماهى مع طروحاتهم ومصالحهم، هؤلاء يريدوننا في خدمتهم كل الوقت ومتى التفتنا الى انفسنا وبلدنا اصبحنا بنظرهم انانيين لا نختلف عن سوانا من عرب 2020، وهذه ليست دعوة للتراجع عن الموقف الاردني المشرف في رفضه للصفقة المخزية لكنه تذكير بأن لقدراتنا على الصمود حدود معروفة وبذلك فنحن لا نختلف عن اي دولة في هذا الكون.
علينا ان نفعل الكثير لمواجهة هذه الموجة العاتية، وعلى الاردنيين ان يتحملوا مقابل موقف قيادتهم الشجاع، لكن علينا في كل وقت أن نحسب حساب الاردن في كل خطوة نخطوها وفي كل موقف نتخذه، فالشجاعة الاردنية عرفت دائما بالحنكة والدهاء وليس في رفع الشعارات والخطابات الرنانة كما يفعل غيرنا..