بقدر ما أظهرت صفقة القرن من تغول على الحقوق الوطنية الفلسطينية، فإنها وبالمقابل تعاملت مع الأردن ودوره في التسوية النهائية، مجردا من الثوابت الوطنية ومستعدا للتفريط بها مقابل مكاسب متواضعة تكفي في المقابل ليتورط بمهمات أمنية واقتصادية لحساب الاحتلال الإسرائيلي.
في أكثر من محور في الصفقة ورد ذكر الأردن وقد أنيطت به ادوار ومسؤوليات تتماشى تماما ومصالح الكيان الصهيوني وخطته للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا بل والتمدد عربيا وإقليميا ضمن منظومة تعاون اقتصادي واسعة النطاق.
أمنيا تقترح الخطة دورا مباشرا لقوات الأمن الأردنية داخل مناطق السيطرة الفلسطينية والمسماه زورا بدولة فلسطين، وإضافة إلى ذلك تفترض الخطة تعاونا ثلاثيا وأحيانا رباعيا مع الولايات المتحدة للتحكم بالمعابر بين الأردن وفلسطين، يقترب من دور الشرطي في الداخل الفلسطيني الموكول إليه مهمة حفظ أمن إسرائيل وسكانها.
وبالنسبة للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، تسقط الصفقة من اعتبارها أي دور للوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية، ولا تذكرها من قريب أوبعيد مع أن كنائس القدس مجتمعة ومن قبلها الفاتيكان دعمت بقوة الوصاية الهاشمية على الأماكن الدينية المسيحية في القدس، وفي شأن المقدسات الإسلامية تفرغ الصفقة الوصاية من مضمونها تماما، لكنها تتكرم على الأردن بدور أقرب ما يكون لدور شركة سياحة وسفر تتولى تنظيم رحلات المسلمين الراغبين في الصلاة في المسجد الأقصى، تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة، وعبر آلية التقسيم الزماني والمكاني التي رفضها الأردن مرارا.
وبالرغم من هذا التنكر الفادح لبنود معاهدة السلام وقرارات الشرعية الدولية، لا يتوانى أصحاب الصفقة عن الطلب من الأردن إنشاء منطقة حرة على الحدود مع إسرائيل طبعا ومطار داخل الأراضي الأردنية لتصريف البضائع الفلسطينية والإسرائيلية إلى الخارج.
وفي الجانب الاقتصادي أيضا تقترح الصفقة على الأردن تأجير جزء من ميناء العقبة للجانب الفلسطيني لشحن البضائع من خلاله وتقاضي الرسوم مقابل أجر يحدده الطرفان ولفترة زمنية غير محددة. باختصار إسرائيل هنا تصادر حق الفلسطينيين في بناء مؤسسات سيادية وفي نفس الوقت تطلب من الأردن أن يتنازل عن سيادته عن جزء من أراضيه.
وبينما تخطط إسرائيل قبل وبعد صفقة القرن لتهديد الأمن الوطني الأردني عبر قرار ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، تقترح إنشاء منظمة للتعاون الأمني الإقليمي تضم إلى جانب الأردن وإسرائيل وفلسطين، مصر والسعودية والإمارات، وذلك على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. وتربط هذه الخطوة صراحة باقتراح إنشاء إطار للتعاون الاقتصادي الثلاثي يجمع الأردن مع إسرائيل ودولة فلسطين”بينولوكس”.ليكون جسرا للتطبيع الصهيوني مع العالم العربي وغرب آسيا.
واضعو الخطة تغزلوا بإدارة الأردن لملف اللاجئين الفلسطينيين،لا تعويضه وتعويضهم عن سنوات التشرد واللجوء، بل ليكون خطوة على طريق توطينهم بالكامل ومن دون مقابل، إلا بما تجود فيه خزائن المانحين، وفي هذه الحالة سيتم تدشين صندوق لتعويض فئات محدودة جدا منهم.
عمليا تريد صفقة القرن من الأردن أن يتنازل عن حق العودة والتعويض للاجئين، ويلعب دور الشرطي فيما تبقى من الضفة الغربية، وتأجير مينائه الوحيد، والانخراط في تحالف أمني مع إسرائيل والتنازل عن الوصاية على المقدسات، والقبول بضم غور الأردن، مقابل منطقة تجارية حرة، وحزمة مشاريع يمكن للقطاع الخاص بالشراكة مع الدولة أن ينفذها.
هل عرفتم لماذا يرفض الأردن صفقة القرن؟
الغد