توقيعة أولى: في أول جمعة على دخول شارون إلى الحرم القدسي واندلاع الانتفاضة الثانية كانت خطبة الجمعة التي حضرتها عن آداب الختان.. (خميس بن جمعة)
...................الدكتور الشيخ المستنير صلاح الخالدي في مقاله الأخير في جريدة السبيل بعنوان (تدني خطب الجمعة) والذي وصف فيه التدني في حال الخطب هذه الأيام وصفا لا يخرج إلا من حريص على الذوق العام، أثار شهيتي للكتابة عن هذا الموضوع الذي ترددت في الكتابة عنه عشر سنين.. لكن من زاوية أخرى..
كنت (قبل مغادرة البلاد) أشكو من (التأستذ) الذي يمارسه الكثير من الخطباء عليّ وعلى الناس لمجرد أن أحدهم حسب علينا خطيبا.. فما أن يعتلي المنبر أحدهم حتى يبدأ بالصراخ في الناس وجلدهم واتهامهم بالتقصير والفجور والتخلي عن الدين..الخ
وإذا كان يتكلم في أمر عادي من مثل عقوق الوالدين أو حقوق الجار فإنه يصر على تقصي كل شيء وذكره في الخطبة.. كل الآيات الكريمة ذات العلاقة.. كل الأحاديث الصحيحة والموضوعة والضعيفة التي سمعها عن الموضوع.. كل الأبيات الموزونة التي ( تشبه الشعر شكلا) التي نقلها في ورقته على أنها (إبداع) وينسى أن الناس قد جاءت تؤدي فرض ربها.. وينسى (من أم الناس فليخفف) وينسى نفسه.. ليضطر في النهاية للقول: واعذروني إذا كنت قد أطلت عليكم ..
أما عن تحري الدقة في ما يروي فحدث ولا حرج.. الكثير الكثير من الأحاديث المكذوبة والقصص المزعومة التي شاعت بين الناس على أنها صحاح شاعت عن طريق خطباء الجمعة.. من مثل (الجنة تحت أقدام الأمهات) (صوموا تصحوا).. (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) (إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج ) (خير الأسماء ما عُبّد وما حُمّد) (النظافة من الإيمان ) (اطلبوا العلم ولو في الصين ) (آخر الدواء الكي) وما إلى ذلك من هذه الروايات الشعبية التي تتوفر في بعضها حكمة لطيفة.. لكنهم يقدمونها على أنها أحاديث نبوية شريفة!
وخذوا هذه..
حديث عجيب غريب لا يمكن أن يقوله إنسان سوي ذو عقل وتهذيب فضلا عن نبي كريم خلقه القرآن، يقول: لدرهم ربا أشد عند الله من ناكح أمه تحت ستار الكعبة.. ومثل ذلك الكثير.
في الصيف الماضي في زيارتي الأخيرة للبلاد حضرت خطبة جمعة كلها من أولها لآخرها عن (حكاية شعبية) تفتري على ثعلبة بن حاطب رضي الله عنه ، الصحابي الجليل المفترى عليه ، تلك الخرافة التي تزعم أنه امتنع عن دفع الزكاة بعد أن أغناه الله .. وأنه في آخر الأمر جاء بالزكاة إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فرفضها.. وفي عهد أبي بكر رفضها أبو بكر...الخ والقصة مكذوبة من أساسها عقلا ونقلا.. إذ الصحابي لم يرد عنه نفاق أو ردة.. أما أبو بكر الصديق فقد أعلن الحرب وجيّش الجيوش لحرب مانعي الزكاة ، فكيف يعقل أن تأتيه الزكاة ويرفضها وهو يعلم أنها ليست لصاحبها بل (حق معلوم للسائل والمحروم) فهو لا يملك شرعا أن يردها..
الأغرب أنني قرأت في بعض المصادر أن ثعلبة بن حاطب قد استشهد في أحد.. أي قبل خلافة أبي بكر بسنوات عديدة..
الأدهى أن بعض الخطباء ينصب نفسه قاضيا للناس، فيوزع الناس على الجنة والنار على مزاجه.. وما زلت أرتعش كلما تذكرت ذلك الخطيب في محافظتي حين قال: إن هذا السائق الذي مات في حادث تدهور وهو يستمع إلى أغنية تلك الفاجرة سيبعث مع تلك الفاجرة ويدخل النار معها..!!تصوروا ! أن يمنح خطيب نفسه مثل هذا الحق.. دون أن يعرف السائق ولا من الفاجرة.. ولا كيف كانت نهايتها.. وينسى أن الله تعالى أدخل رجلا الجنة لمجرد أنه سقى كلبا.. دون أن نعرف حجم خطايا الرجل (فقط سقى كلبا)
.. مثلما أن الحج مؤتمر سنوي للأمة.. فالجمعة مؤتمر أسبوعي في دائرة أضيق.. الأصل أن الخطبة فيه تشبه استعراضا لأحوال المسلمين في أسبوع.. لا أدري كيف تحولت إلى درس للموعظة المباشرة وجلد الذات.. وترويج القصص الشعبي والأسطوري على أنه دين ونصوص مقدسة.. دون تحر ولا دقة. بطريقة ممجوجة تنبئ عن ضحالة في ثقافة الكثير من الخطباء، واستعراض فارغ ، (وتأستذ على الناس)
Amann272@hotmail.com