صرنا والله نكره السياسة والكتابة وكلام الإعلام الماكر والتحليل والتضليل، وبتنا نتمنى لو أن الواحد منا يملك "شلية" غنم يسرح بها ويغدو في البيداء ولا يرى ولا يسمع سواها، بعد أن شهدنا أمة العرب بملايينها كلها، تحبس الأنفاس أمام الشاشات، انتظارا لما سيتكرم وينطق به ترامب حول ماهية الصفقة التي أشغلونا بأخبارها طويلا، وفجأة خالطنا ونحن نتابع حضرته في مشهد استعلائي هزلي برفقة صنوه نتنياهو، شعور حزين مر بأننا لم نعد أمة، ولسنا في نظر الإثنين سوى "لمة" من مخلوقات بمقدورهما التصرف بها وبعقيدتها ومقدساتها وبلادها وأرضها وعرضها، كما يحلو لهم، ودون أن يرف لأي منهما جفن!.
محزن حد القهر أن العرب في عيون هذين الإثنين وأتباعهما، مجرد طاقة صوتية تعلو ثم تخبو بعد برهة من زمن، تماما كما سبق ووصفهم المقبور مناحيم بيغن، حينما جرى تحذيره من غضبة العرب قائلا، إسألوني عنهم، هم مجرد طاقة صوتية لا أكثر!.
نعم، صرنا نكره أن نكتب أو حتى أن نتكلم، لكنها حرارة الجلود تأبى إلا أن نقولها، فالقدس الشريف، هي عز العرب، إن ضاعت ضاع عزهم، وغدوا مجرد ارقام في نظر الكافة على هذا الكوكب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عجيب وغريب ومستهجن ويثير الأسى، أن لا يتململ أو ينتفض أو يغضب العرب والمسلمون في مشارق الارض ومغاربها من أجل القدس ومقدساتها وفلسطين وقضيتها، وعجيب غريب أيضا أن ينسى العرب طوفان دم هادر لشهداء وجرحى وثكالى ومصابين ومهجرين على مدى أزيد من ثمانين عاما حتى الآن، ويبحثون عن حلول عند ترمب ونتنياهو وأعوانهم وما احترموا العرب يوما هم وأسلافهم، ولا قدروا للعرب حرمة أبدا!.
إذا ما تبقى لدى العرب بعض من عروبة على الأقل، فإن ضياع القدس ومقدساتها المشرفة يعني وبوضوح، أن إقرأ على العرب السلام، فهم فعلا مجرد طاقة صوتية يجيدونها في بيانات استنكار وشجب وإدانة لو جمعت أوراقها وحبرها منذ العام ١٩٣٦ وحتى اليوم وبيعت، لحرروا بثمنها فلسطين وكل أرض عربية مغتصبة.
من يتنكر لفلسطين وللقدس ومقدساتها ويرى أن لا شأن له بها، ليس عربيا ولا مسلما ولا حتى إنسانا يستحق الحياة، فهي عز العرب وفيها مجدهم ومسرى ومعراج رسول الإسلام صلوات الله وسلامه عليه، فهل يبيع بشر دينه بدنياه الزائلة!، وهل يتخلى بشر عن عزه ويقبل بضياعه على يد شرذمة من شتات الكوكب وينام قرير عين!، ألا يستحي من قد يفعل هذا من نفسه إن لم يستح من الله جل في عليائه!.
القدس عز العرب تحديدا، فإن خذلوها اليوم أوغدا أو بعد غد، فلن تقوم لهم قائمة أبدا أبدا، وسيندمون يوم لا ينفع الندم، ولن يغفر الله لهم خطيئتهم. وهو وحده سبحانه من وراء قصدي.