إلَّا وصفي الشهيد .. وكفى!
د.طلال طلب الشرفات
02-02-2020 09:39 PM
اعتدنا أن نستمع لحكم التاريخ الموثق ونحترمه، ونتجرع بوجع إخفاقاتنا الوطنية والقومية التي كنّا نتمنى سواها، وإذ كنّا نحتفل بالمئوية الأولى لتأسيس الدولة؛ الكيان والكينونة والهوية، وما يرافق تلك المسيرة من ثوابت وأولها القيادة الهاشمية الحكيمة التي كانت ضرورة وإنجاز وشرعية واعتزاز في آنٍ معاً، ولأن الأردن وطن إنموذج في الوفاء والتضحية؛ فقد كان على الدوام يعترف للقادة والشهداء والبناة الأوائل إسهاماتهم الوطنية، ويحنو عليهم في مقاماتهم بدءاً من الشهيد الملك عبدالله الأول ومروراً بالحسين الباني-طيب الله ثراه- والشهداء وصفي وهزاع وغيرهم الكثير، والأهم أن عطر التراب الأردني الزكيّ الخالد مُخضّب بتضحيات الأردنيين الأحرار في وطن هو بين الرمش والعين لكل أردني شريف.
كان وصفي دوماً أول السطر في الوفاء للوطن والقيادة، وسنان الرمح في التضحية بكل شيء من أجل قدسيّة التراب وشرف المسؤولية، لم يهرب من معركة أو مواجهة أو رأي، ولم يتآمر على الوطن والقضية والهوية، زرع الحداء في البادية، والطهر في تل اربد، والعناد في جنوبنا الأصيل، لم يكن عميلاً لنظام اجنبي أو وكيلاً لسفارة، او رفيقاً لمتطاول على امن الوطن او مصالحة العليا، لم يفكر في جمع ثروة، ولم يخلد للدعة نكوصاً عن أداء واجب أو استكانة عن مهمة وطنية تُعلي شأن الوطن وتعزز سيادته، ولَم تمتد يده الى المال العام، نصير الفقراء والحراثين وأهل الخبز والشاي الذين ما زالوا يبكونه حتى يومنا هذا.
وصفي الشهيد النبيل وملح الأرض الذي لم ينحاز إلى فئة أو هوية فرعية أو عرق في الأداء الوطني؛ بل كان زاهداً بالسلطة والثروة من أجل صيانة استقلال وطن مهدد آنذاك من الداخل والخارج، ومستهدف في كيانه وقيادته ووجوده، انتصر للزراعة باعتبارها أساسًا وخيارًا استراتيجيًا لاستمر ار الدولة وتقدمها في مختلف المجالات، الفه الأردنيون شريفاً حكيماً شجاعاً وجندياً مخلصاً للوطن والقيادة دون مواربة او ثمن، قابل وجه ربه شهيدا دون ان يسجل عليه خلل او غدر او مثلب.
من ذاك الذي يُقلل من شأن وصفي، ومن يجرؤ على مجافاة الواقع الوطني المخضب بدم الشهيد الحيّ وتضحياته التي تشكل عنواناً للانحياز لهويتنا الوطنية التي جبلت بالدم والعرق والتعب والوفاء، وصفي في إرثه الممتد من عرار شاعر وشاهد الاْردن الكبير لم يفرق بين الأردنيين من شتى مناطقهم ومشاربهم الفكرية والسياسية ما دامت قبلتهم الاْردن، وهويتهم تداعب سفوح شيحان وحسبان، وتناجي قلاع الكرك وعجلون والشوبك وعمون.
وصفي الشهيد الذي جسّد مفهوم القاسم المشترك للعزم الإردني الذي لا يلين، والأخلاق الأردنية التي ستبقى حاضرة العروبة والإسلام في الانحياز للقضية الفلسطينية وعنوانها الأبرز القدس الحبيبة والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وصفي الشهيد الذي أحبّ الأردنيين بمشاعر الأب والأخ وأخلص للقيادة الهاشمية التي كانت وما زالت الشاهد الحيّ على نبل العلاقة بين القيادة والشعب.
الذين يحاولون تشويه مسيرة وصفي النقيّة إنّما يحاولون أن ينكأوا جرح الوطن ويعيدوا إلى الأذهان الضرورة الوطنية بإعادة تقييم النخب السياسية وفقاً للممارسات الوطنية؛ فالتاريخ المرتبك لبعض النخب الذين أضحوا يمارسون علينا مظاهر التقييم المجتزأ وربّما الممنهج لتاريخ عهدناه، وممارسات عاشها ممن سبقونا من القادة والبناة المخلصين ورواها لنا أحرار وحرائر الأردن الذين لا مصلحة لهم سوى استقرار الوطن، والانحياز للحقيقة وتخليد الشرفاء الذين رووا تراب الوطن بدمائهم الزكيّة وعرقهم المجبول بالعزة والأنفة والكبرياء.
ليس من حق أحد أن يُشوّه أو يُزوّر تاريخ نبلاء الوطن، ولن يتغير عطر تراب إربد الزكي الذي أنتج وصفي، ولن يحسّ الوصفيون في كل أنحاء الوطن بخذلان أراد البعض صناعته من خلال تجليات الوهم. فالوطنية الحقة هي تلك الممزوجة بالموضوعية الخالصة البعيدة كل البعد عن التّجني والافتئات على الحقيقة، والوطن الذي ما زال أبناؤه يهتفون للحرية والكرامة ونصرة فلسطين لن ينال منه الأعداء والمتخاذلين والأردنيات ما زلن يرددن وسيبقين لحن الخلود الأزلي " يا مهدبات الهدب غنن على وصفي".
وحمى الله وطننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة من كل سوء ....!!