عدة حقائق لا بد من التأكيد عليها بخصوص «صفقة القرن» المزعومة حتى تُوضع الأمور في نصابها.
أولها أن «الصفقة» ليست خطة سلام، وهذه الحقيقة تنسف «المقترح الشرير» من جذوره.
فخطط السلام الحقيقية تُطرح عادة بعد موافقة مبدئية عليها من الطرفين المتنازعين تتويجاً لسلسلة زيارات مكوكية يقوم بها الوسيط بينهما أو محادثات مكثفة بينهما تؤدي إلى توافق مبدئي على خريطة طريق تكون أساساً لمزيد من المفاوضات.
لم يتم شيء من هذا القبيل، و«الصفقة» المشؤومة هي إعلان من جهة متغطرسة لصالح طرف مُعتدٍ، ويبدو أن مسمى «صفقة» وليس «خطة» مناسب تماماً هنا لأنها «صفقة» أبرمتها إدارة ترمب مع حليفها الكيان الغاصب لصالح ذلك الكيان.
ثانيها أن الفريق الذي أعد الصفقة، ممثلاً بصهر الرئيس ومبعوثه وسفيره في الكيان، مكون من صهاينة أعداء ألداء للقضية ولا يتمتع أي منهم بأدنى مقومات الحياد. على رأي المتنبي: «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم». إنها لعمري مهزلة بامتياز.
ثالثها أن «الصفقة» لا تغير من الأمر شيئاً فهي تكريس للواقع القائم، المخالف لكل القوانين والأعراف الدولية، ولا جديد فيها ولا مفاجآت. الكيان منذ أمد اعتمد فرض سياسة الأمر الواقع: يحتل ويتوسّع ويصادر الأرض ويهودها ويُخل بالتفاهمات والاتفاقيات مستنداً إلى مبدأ القوة والعنف والإرهاب، بدعم صلف من الإدارة الأميركية المغرقة في انحيازها للصهيونية.
رابعها أن «الصفقة» ولدت ميتة. رفضها الفلسطينيون بمجرد إعلانها، كما رفضها معظم العرب. لا بل إنها مرفوضة من قبل معظم دول العالم، وحتى معظم القوى والمؤسسات داخل أميركا نفسها. فهي لا تخدم سوى الإدارة الأميركية المأزومة وحكومة نتانياهو الفاسدة.
إنها «صفقة» غير قابلة للحياة.
خامسها أن الكرة قبل «الصفقة» وبعدها تبقى في ملعب المسؤولين الفلسطينيين أولاً، فهم بانقسامهم وسكوتهم على الظلم وقبولهم بسياسة الأمر الواقع إنما هم يساهمون في تسهيل مهام الكيان وفي مد أمد الاحتلال والاستعمار. وهي، ثانياً، في ملعب العرب جميعاً الذين انقسموا وتشرذموا واختلفوا فأصبحوا فريسة سهلة، والذين لن يسلم أحد منهم من مطامع إسرائيل.
هل ستكتفي إسرائيل بفلسطين والجولان؟
سادسها أن الأردن، والذي يجد نفسه في المواجهة وحيداً، لا يمكن أن يُقدّم أكثر مما قدم ويقدم، ويفعل أكثر مما فعل ويفعل. ومن الخطأ تحميله أكثر مما يحمل ويحتمل.
وسابعها أن ردة الفعل فلسطينياً وعربياً يجب أن تكون ذكية وحكيمة، تنأى بنفسها عن الانفغال والكلام وتُفكر في خطوات عملية، مبنية على دبلوماسية محترفة ونشطة، يمكن فعل الكثير من خلالها.
وثامنها أن شعوبنا وكل الشعوب المؤمنة بالسلام والعدل من حقها أن ترفض وتشجب وتتظاهر وتقاوم، لكن بانضباط وأساليب حضارية تصبّ من خلالها جامّ غضبها على الكيان والإدارة الأميركية المنحازة للاحتلال والاستعمار والظلم، وليس ضد أي طرف آخر.
الصفقة ليست خطة سلام وليست نهاية المطاف، والعاقل من اتّعظ وفكر وخطط ونفذ بثقة وعزم لا يلين لأن الكيان ومن يقف وراءه لن يوفرا أحداً.
(الرأي)