لقد بات الحديث عن الأوضاع الإقتصادية في كثير من الحالات يندرج تحت بند السواليف! فالمتعلم وغير المتعلم، الكبير والصغير، الغني والفقير، العامل والعاطل أصبح اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى محللاً إقتصادياً ومفنداً فكرياً، وباتت السهرات والجلسات ميداناً للحديث الإقتصادي، ساهم في كل ذلك ضعف الإعلام بالجانب الإقتصادي في بعض الحالات، وغياب الأرقام الرسمية في حالات أخرى!
إن الحديث عن الفقر والبطالة، الموازنة والمديونية، الصادرات والواردات، البورصة الحقيقية والبورصة الرقمية، الناتج المحلي والتهرب الضريبي هو الحديث الأكثر قرباً للجلسات العائلية، وبين الأصدقاء والأقرباء، لا بل لامس الهم الإقتصادي حديث المقبلين على الزواج، في الصالونات والمولات؛ وفي ظل غياب واضح للحل الجذري، الإبداعي والإبتكاري الذي يجعل من الكرك مدينة للسياحة، ومعان مدينة للصناعة، جرش مدينة للزراعة والمفرق للثقافة، الزرقاء مدينة للإتصالات وجرش مدينة للغابات، إربد مدينة للعلماء والطفيلة للمحميات والعقبة لثورة في عالم الأعمال والجمال.
في عالم المال والأعمال، الأقوال والأفعال، يُبنى الإقتصاد على المنهجيات العلمية، والحقائق العملية؛ على الخبرات المتراكمة والإبتكارات المتواصلة؛ وبين صناعة للطائرات وإبداع في عالم المركبات، ثورة في تكنولوجيا المعلومات وإبتكار في دنيا الإتصالات؛ يتساءل البعض عن حقيقة الصناعات المحلية والإنجازات الفعلية في بعض الدول، ومدى قدرة التحاليل والتقارير الإقتصادية في بيان الواقع الإقتصادي للوطن والمواطن؟ ام أن بعض هذه التقارير والتحاليل أصبحت تعتمد في بعض ثناياها إلى السواليف والتحاريف، الإشاعات والإتهامات، التوقعات والإختبارات!
إن فكراً حكومياً راقياً إبداعياً إبتكارياً، مبنياً على فلسفة واضحة ورؤية شاملة، منهجية ناضجة وعقلية جاذبة، قادرة على تغيير الفكر التقليدي لدى الغالبية في الإنتقاد المستمر للأداء الحكومي، وصولاً لفكر تقدمي يجعل من الحكومات شريكة في البيانات والمعلومات مع المواطنين والمؤسسات، فكراً يعطي العدالة والأمانة للمواطن والمسؤول، عملاً يجعل من المواطن شريكاً ومنفذاً في القرار الحكومي، فكراً يقدم مصلحة المواطن والوطن عن أي مصالح شخصية أي فردية؛ عندها ننتقل في أفكارنا الإقتصادية من سواليف اقتصادية مبنية على الإشاعات والإتهامات، الإساءات والإغتيالات، إلى تحاليل إقتصادية مبنية على المنهجيات العلمية والإدارات العملية.
لم يعد مقبولاً الإستمرار في سياسة وثقافة الفزعة الإقتصادية؛ لم يعد مقبولاً تعيين المسؤولين بطريقة تبادلية، وتزيين المقصريين بطريقة تشاركية؛ وإنما آن الاوان لترسيخ مفهوم الدولة الإنتاجية القائمة على التعددية الصناعية والإستثمارية بطريقة حضارية تقدمية، لدولة يعرف كيف يُدار اقتصادها ومالها، موجوداتها ومطلوباتها، موازناتها وإلتزاماتها لضمان استمرارها في خدمة أبنائها وتطور اقتصادها.