فلسطيني ويريد أن يبقى إسرائيليا
ماهر ابو طير
31-01-2020 12:27 AM
تريد إسرائيل ان تثبت للشعب الفلسطيني والعرب والعالم، ان كثرة من الفلسطينيين يفضلون ان يبقوا إسرائيليين، على ان يصبحوا فلسطينيين بالمعنى القانوني.
هذه اخطر حملات تشويه السمعة، التي تمارسها اسرائيل لغايات كثيرة، وقد انطلقت مؤخرا عند الحديث عن اقتراح بضم منطقة المثلث في فلسطين الى الدولة الفلسطينية المقترحة، وفقا لصفقة القرن وفي الصفحة الثالثة عشرة من مشروع الصفقة، وهو اقتراح جوبه بموجة رفض كبيرة جدا من جانب أبناء منطقة المثلث الفلسطيني.
منطقة المثلث يعيش فيها قرابة ثلاثمائة الف فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، في قرى كفر قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم، وقلنسوة، والطيبة وكفر قاسم والطيرة، وكفر برا، وقرى ثانية، والتوقعات تؤشر على ان عددهم سيصل الى نصف مليون خلال سنوات قليلة، بما يعنيه ذلك، ديموغرافيا وامنيا، وهي كتلة مناوئة تاريخيا للاحتلال.
أهل هذه المنطقة رفضوا صفقة القرن، لكن الاحتلال استغل الرفض من اجل تشويه سمعتهم، حيث يقول الإسرائيليون ان هؤلاء يرفضون صفقة القرن، كونهم لا يريدون الانضمام للدولة الفلسطينية التي ستؤثر على حقوقهم مقارنة بعيش هؤلاء تحت مظلة إسرائيل، وبجوازات سفر إسرائيلية تمنحهم حقوقا افضل، وان هذا يثبت ان إسرائيل تمنح الفلسطيني حقوقا، تفوق حقوقه تحت مظلة السلطة الوطنية، او سلطة اخرى.
هي ذات حملات تشويه السمعة التي تعمد اليها إسرائيل في ملف أبناء القدس، اذ توظف دائما كل مشهد، او تصرف من اجل الإشارة الى ان المقدسيين وأبناء القرى المقدسية، يفضلون ان يكونوا إسرائيليين بجوازات سفر إسرائيلية، او حتى ببطاقات إقامة إسرائيلية، على ان يصبحوا مواطنين فلسطينيين بجوازات فلسطينية تحت مظلة الدولة الفلسطينية او سلطة الحكم الذاتي، بسبب الحقوق التي يحصلون عليها، وبسبب مستوى الحياة الاقتصادية التي تمنحها إسرائيل لهؤلاء إضافة الى حقوق العلاج والتأمينات الاجتماعية.
هذه لعبة خبيثة، كون إسرائيل التي تصنف الفلسطينيين أساسا على أساس كونهم العدو الاول، ضمن الصراع القائم، تصنع صورة خطيرة، عبر تقديم صورة الفلسطينيين بصورة الذين يختارون التبعية لإسرائيل على التبعية لكيان فلسطيني، بذريعة ان الفلسطينيين يدركون ان كل من يعيش تحت سلطة الحكم الذاتي، او سيعيش تحت مظلة الدولة الفلسطينية المحتملة، يعانون من ظروف صعبة، وأوضاع اقتصادية سيئة جدا، فوق تردي الخدمات والبنى، وغير ذلك من ملاحظات حتى على مستوى الخدمات الصحية والبلدية والتأمينات الاجتماعية، ومعايير العدالة والقانون، وغير ذلك.
لكن الكل يدرك ان أبناء المثلث الفلسطيني، وأبناء القدس وغيرهم، كانوا دوما شوكة في حلقة إسرائيل، ولولا وجودهم لتعرض الوجود الفلسطيني الى اضرار كبرى، بعد ان جابهت إسرائيل الحقيقة الكبرى المتعلقة بوجود ملايين الفلسطينيين داخل فلسطين، والذين لا يمكن تغيير هويتهم، حتى لو حدثت خروقات أو تجاوزات او خيانات، اذ يبقى الشعب الفلسطيني على ارضه في وجه هؤلاء، وهذه حقيقة ماثلة لا يمكن الانتقاص منها، لمجرد وجود تبعية اقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي، او وجود خروقات سياسية او ثقافية قد يفهمها البعض باعتبارها دليلا على قبول الفلسطينيين لمشروع الأسرلة وتغيير الهوية.
القصة لا ترتبط فعليا برغبة الفلسطيني بجنسية إسرائيلية، بدلا عن الفلسطينية، القصة اعمق من ذلك بكثير، اذ ان إسرائيل تريد أولا وأخيرا نزع هؤلاء من مناطقهم، وترحيلهم من مناطق فلسطين المحتلة العام 48، بداية بالبعد القانوني، وصولا الى البعد السكاني والجغرافي، في سياق التدافع الديموغرافي، والتطهير العرقي، ولأن الفلسطيني يدرك ذلك، يعرف ان رفضه للصيغ الناعمة مثل اقتراح ضم مدن وقرى المثلث، وتخييره بين جنسيتين إسرائيلية وفلسطينية، مجرد توطئة لإخراج كل الفلسطينيين من فلسطين المحتلة العام48، وهم هنا لا يتمسكون فعليا بالهوية الإسرائيلية، بل يتمسكون بموقعهم التاريخي والجغرافي والثقافي، ويغلقون الباب في وجه التطهير السكاني في فلسطين 48.
فلسطينيون أولا وأخيرا، بل ان وطنية أبناء المثلث بارزة، ومعمدة بالدم، ولها إرثها وتاريخها في مقاومة الاحتلال البشع، لكنها المفارقة التاريخية المؤلمة، ان يقف هؤلاء امام خيارات صعبة، بحيث يبدون بصورة المتمسكين بهويتهم الإسرائيلية بدلا عن الفلسطينية، وبحيث يجرح البعض سمعتهم، بكل سذاجة ، فيما هم في اعلى درجات الوطنية، حين يؤكدون فهمهم لطبيعية المخطط الإسرائيلي الذي يريد نهاية المطاف نزعهم من أماكنهم وترحيلهم، وتحويلهم الى كتلة سكانية معلقة يزول ضغطها عن اسرائيل، في سياقات مشروع الدولة اليهودية التي تطرد كل من هو غير يهودي.
الغد