إسأل نفسك: هل انت صحافي مطواع؟!
سليمان القبيلات
29-05-2007 03:00 AM
.. في سياقه يوظف ابوك سني تربيتك لتكون هو، تتمثله او تتقمصه حتى تحين لحظة تسعى فيها لتكون انت، فيطلب اليك مثلا ان تنتخب فلانا. تناقشه او تحاول هذا فيسقط في يدك لتكون نهايتك الخروج عن الطاعة وقذفك باقذع الشتائم، توصف عاصيا خارجا عن ملكوت الابناء الطيعين. وفي نهج الامتثال هذا يأمرك المدير ان تنفذ "عملا" يخدم مراميه فترفض لتجد نفسك خارج الزبانية وسياق العمل"المنضبط" فتغدو منتظرا لتقاعد ياتي ولا ياتي . تراوح في فراغ فتتساءل: ما خطب عالم لا يراك الا بوصفك ممتثلا؟! يفضي اليك (العارفون) بخلاصة تجاربهم: عش مستجيبا للقوة وممتثلا لها تتجنب المتاعب ويلقاك الناس بوجه بشوش، رغم انك لن تكون انت. تكتشف ذاتك فتذوب خجلا لان فيك حقنة عالية من الامتثال القادم اليك من ابوة يحرص المجتمع على ان يكونها. تندهش ساعة تتيقن ان هذا هو سر تردي الحال التي نعيش. لتستنتج ان التغيير يستدعي ثقافة اجتماعية جديدة يحارب القائم بماكينته الجبارة انبثاقها لدى العرب تحديدا.
وباعتبارها فضاء معرفيا خطيرا كانت الصحافة وادوات التوجيه الاخرى في محور اهتمام السلطة العربية لتستخدمها سلاحا في حربها على القوى الاجتماعية الساعية الى التغيير مهما كان شأنه. فولجت السلطات باب رشوة وشراء ذمم الصحافيين لتتشكل عبر العقود قاعدة عريضة من المنتفعين والسحيجة منتظري الاعطيات حتى من طارق الباب الأجنبي.
على ان خطورة الصحافة هذه اصبحت تتهدد المجتمع والدولة في كينونتهما عبر بث متصل يردد معزوفته في ان اولوية البقاء تستدعي تقديس الموجود، فلا تغيير الا من كوة تفتعلها السلطة هنا او هناك . وفي ذلك يتسابق المتسابقون مبتدعين اشكالا شتى من الترويج للسائد حتى يضحي بقرة مقدسة حلوبا تدر النعم فتمتلئ الجيوب وتقر العيون و(الضمائر المستترة) الغافية على فلوس الحرام.
في آن تدرك انت حقيقة انه مُذ كان الخلق كانت الحرية صنوه وتجليه. ومُذ خطى الانسان اول خطوه نحو الوعي لتتشكل لديه مفاصل القوة انبثق من بين ثنايا هذه الحرية الفطرية قوة شد عكسي ما برحت تنشطر حتى باتت تقاسم الحرية مشهد الوجود، فكان القمع باعتباره تعبيرا فظا للصراع الطبقي في فضائه التاريخي.
..والحال هذه فان الاساس في هذا الخضم هو الخصوصية الشرقية في تجليها العربي، اقصد الاستبداد في توالده وتنوعه على هذه الارض. وذلك سؤال بقي يتردد في غرف العقل وردهاته منذ قرون وما يزال اسير الصدور في طول ارض العرب وعرضها.
في تفسيره للقائم المحزن يقول المنور عبدالرحمن الكواكبي: إن البلية فقدُنا الحرية. إن المنشأ الأصلي لكل شقاء هو انحلال السلطة القانونية لفسادها، أو لغلبة أشخاص عليها. (يقصد التفرد) . لكن الكواكبي وبعد شرح طويل يرجع تردي الحال الى الاستبداد باعتباره بيئة خصبة للفساد.
هل نحن حالمون مُسِّفون حد السذاجة اذ نعيد التاكيد ان لا مناص من صحافة تنزع نحو شأنها مدافعا عن الناس بموضوعية مسلحة بمشهد الآراء كلها لئلا تغدو صحافة اللون الواحد. الناس الذين لا يمكن ان يبرحوا واقعهم الا عبر مخاضات صعبة بالضرورة هم روادها وصانعوها، والا فمن يصنع التاريخ سواهم؟!.
تمحور الجدل في كل المعالجات التي غطت مساحة القرن الماضي وحتى اليوم على سؤال: "من نحن؟". فانقسمت مروحة الاراء بين اعتبارنا أُمًة في طور النهوض وخوض الحياة العصرية وتكريس مفاهيمها في الوعي الجمعي، او اننا أُمَة ماضوية لا يمكن لها ان تتقدم الى الامام الا حين يحل اهل العلم فيها سؤال السلطة باتفاق مكوناتها وقواها الاجتماعية كافة، وإلا فستنتهي كل معالجات ما يسمى تطويرا إلى أسوأ ما انتهت إليه سابقاتها، ولنا في مصر والجزائر واليمن وسوريا وغيرها من امصار العرب أسطع دليل.
تُرى هل تتكثف مقولة الفرزدق للامام الحسين بن علي رضى الله عنه حين خرج الى الكوفة بعد مبايعة أهلها له : ( قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) في جمهرة صحافيينا الذين يتذمرون كثيرا من واقع مهنتهم ومؤسساتهم ونقابتهم فيما لا تشي افعالهم الا بما يبقي على هذا التردي . ذلكم تساؤل يثير الحيرة وهو بالمناسبة عابر للمراحل، ليبقى مثيرا للحنق والغصة لنعود الى القاء التساؤل مرة والف: كيف لسواعد تختلف مع قلوبها وهي التي يفترض أن تكون لها حامية وعنها منافحة؟!
البريد الالكتروني muleih@hotmail.com