مهرجان انتخابي في البيت الأبيض
سيف الله حسين الرواشدة
29-01-2020 02:26 PM
ما حصل في البيت الأبيض بإعلان صفقة القرن هو في المقام الأول تبادل مصالح انتخابية بين ترامب الذي يواجه محاكمة عزل تعيق سباقه الانتخابي القريب واقتصاد بلغ دينه العام ٩٨٪ من الناتج المحلي -وهذه النسبة هي الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية- مهدد بركود قريب، وبين نتنياهو العالق مع انتخابات الكنيست الإسرائيلية الثالثة في آذار، التي فشل في حسمها مرتين الى الان، إضافة الى اتهامات بالرشوة وخيانة الأمانة.
تبادلت واشنطن وتل أبيب الخدمات الانتخابية في الماضي، فبيل كلنتون عقد قمة سلام ١٩٩٦ لمساعدة بيريز في الانتخابات، واليوم يخطب ترامب ود اللوبي الصهيوني والانجيلين لمساعدته في جولته الانتخابية الثانية، فنقله للسفارة الامريكية الى القدس واعترافه بسيادة إسرائيل على الجولان وشرعنته للمستوطنات، يقع كل هذا تحت باب الاستقطاب الانتخابي، وردت تل أبيب الجميل بوصف الرجل بأفضل صديق لإسرائيل دخل البيت الأبيض، خاصة بعد علاقة باردة في عهد أوباما فاقمها اتهامات اليمين الاسرائيلي لواشنطن بتلاعب بانتخاباتها لصالح اليسار.
مبادرة ترامب للسلام والازدهار، بصفحاتها ١٨١ وخرائطها تختلف عن سابقاتها من المبادرات بالتراجع عن حدود ١٩٦٧ والالتفاف على ملف اللاجئين، واضافة ٣٠٪ من أراضي الضفة لسيادة تل آبيب في غور الأردن وغيرها، واشتراط الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وقوننة المستوطنات، ووصف القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، في مقابل إعطاء الفلسطينيين مجموعة من التكتلات السكانية تربطها شبكات من الطرق تحت الإدارة الإسرائيلية، هذه التكتلات تحت إدارة مدنية فلسطينية منزوعة السلاح، وعاصمة في قرى القدس الشمالية والشرقية مع عدم الاكتراث بماذا سيسميها الفلسطينيون (القدس أم ابوديس) ووعود استثمارية واقتصادية لا ضامن لتحقيقها ولا تتحمل واشنطن عبأها الأكبر. باختصار مبادرة واشنطن غير قابلة للحياة لأنها فصلت على قياس اليمين الإسرائيلي، ووعوده الانتخابية وتفسيراته الدينية لا على قواعد المفاوضات الناجحة التي توفر مخرجًا لائقا لجميع الأطراف.
هـذه النظرة الدعائية للصفقة تعطي أملا للجميع بموت هذه الصفقة في حال خسارة ترامب للانتخابات مما يفسر بعض ردود الفعل الرسمية للدول العربية وحتى ردة فعل رام الله، التي لا تريد استعمال اوراقها دفعة واحدة أو الوقوف في وجه البيت الأبيض بطريقة صارخة، وتفضل أن تبدي أقل درجة من المرونة – كل حسب مقدرته وظروفه- ولو مؤقتا فالانتخابات على الابواب.
اعلان الصفقة من دون مشاركة الجانب الفلسطيني، هو إشارة أخرى على استثمار هذا الإعلان لأغراض انتخابية حتى لو تتطور الإعلان الى تطبيق جزئي كضم غور الأردن، فما يحصل لا يتجاوز أن تتفق مع نفسك وتنفذ وحيداً ما اتفقت عليه، فيبقى هذا الاتفاق لا يعني أحدًا سواك، وعليه ما ستقوم به إسرائيل سيكون احتلالًا لا اتفاقًا وفي أحسن الأحوال أوسلو جديدة تزيد الوضع تعقيدًا وتنذر بشر قريب.
ردة الفعل الفلسطينية والعربية الشعبية هي مربط الفرس هنا، فلا أحد يستطيع أن يفرض الواقع على الشعوب بل على العكس، وذكريات الانتفاضة ماتزال قريبة وهي التي جلبت تل أبيب الى طاولة المفاوضات بعد سنوات من التعنت والعنجهية.
قد تكون السنوات الأربعة القادمة عجافاً بسبب تداعيات صفقة القرن ومحاولة الضغط على الشعوب والأنظمة للقبول بها ولكن الأكيد أن غياب المشروع العربي وضعف الدول العربية وابتعادها عن قواعدها الشعبية، وانطواء المجتمعات العربية على نفسها، ناهيك عن الفساد وتراجع التعليم والأوضاع الاقتصادية الكارثية من بطالة وفقر وجوع سيجعل كل قادم سنواتنا عجاف.