تونس جئتك هاربا كأمير من فيلادلفيا ولن أعود من حيث جئت لأن الهوى تونسي، فعندما قرأت في عينيك ورأيت كل الأساطير وأجملها وأنت فتاة المتوسط العذراء.. تمهلت ونظرت إلى جيدك الذي يشبه جيد فتاة وقد زينه عقد من الريحان وعطر البحر واستمعت إلى شئ من المألوف وجبت في الأحلام كل شوارعك العتيقة وسمعت أخبار الغواصين والأولين ووجهت تحية إلى أبن خلدون وأبو رقيبة وكل اللذين ما خذلوك ورأيت الورود تتقتر على شفتيك مع الياسمين ماءً وعشقاً ..
تونس ليست محطات تاريخية وثقافية احتضنت المحبة العربية من كل بواباتها فقط وأضفت مباهاة بدمج الماضي والحاضر بل قصة عشق أبدية وأسست لأول مداميك الحضارة العربية في الفكر والتراث والأدب والفنون لتكون حقيقةً أولى الحضارات كالفينيقية، والأمازيغة، والقرطاجية، والوندالية – وبوابتنا نحو الغرب.. ففي كل جنب من جنباتها حكاية وقد أسرتنا بهذا المزيج الذي شكلته كما يشكل الألماس حينما عرجت باللون الذي زادها بهاءً الأخضر الفيروزي ليشكل مع البحر لوحة في قلب المتوسط الذي زادها انفتاحاً على السياحة العالمية لتكون مقصداً لكل الباحثين عن الهدوء والطمأنينة... جمالاً يفوق جمال الأيدي التي تصنع الخزف والفخار والجلود في نابل وجربه وكذلك المهره في تطويع النحاس بالقيروان.. وأذا ما تذوقنا الثقافة العربية على أصولها فأن أشهى الطواجين الفخارية التي تحاكي الثقافة البربرية الونيقية هي في المطبخ الشمسي.. لقد باتت تونس مقصداً للباحثين عن الاستشفاء والعلاج وحين تيمم نحو بورقيبة فأن حمام عيون قربص والعتروس ستكون في أنتظارك بمياهها الساخنة والعذبة لاسترخاء بعد رحلة سفر شاقة، وللباحثين عن صنوف العلم لابد من أن يرتل كل صباح "علم الإنسان ما لم يعلم" فالجامعات والمعاهد منتشرة في كل بقاعها تهدهد لمن يقصدها بحلقات الدرس وأول بدايات القراءة .. فهي تونس ذات القلب الأخضر والعقل المنفتح الأبيض واللسان الدافي الذي لا ينطق ألا أدباً وخلقاً يسبح بحمد الله...
خضراء أسموك يا تونس وزيتونة .. وولد تلو ولد فداك أيها البلد ، لقد سبقتني قدماي قبل قلبي إلى الحمامات قبة الحضارات وأم الأمجاد وسليلة العهد التليد وقد تاهت على مر الزمان حيث النزهة الأولى في الصيف الماضي إلى أرصفة بو حديد والبلدية و منارات القلعة وسوقها القديم إلى الشاطئ الأزرق حيث الحوت الأبيض إلى دوار جويليه إلى التحرير وما لذ وطاب.. وأعلم أن ثمة أشياء في وجنتك وعلى ملامحك حيرني.. معذرة يا سيدة العشق الأولى ولكنه التيه في الحب والعشق معاً في عصر البحث عن العلم والمفردات.. تأملت ودققت كثيراً فيك يا سيدتي تعمقت ورأيت بأنه لابد وأن أجلب أليك رسائل الشوق معي من عمان الدحنون وقد زادها الحسن زيتوناً و زعتر وقد ذكرتني بأول الموشحات الأندلسية وأنها عربية شرقية والبحر يشهد لها أنك عربية الأعراف وأن أهلك ما خذلوك وأنتي كالطود تقفين شامخة وشامة على خد الأبيض المتوسط على طول المدى ضد الرياح العاتية يا أنتي يا من عشقت كأخت للشمس وجارة القمر.
من الأردن أرض العزم إلى تونس الخضراء.. عاشق متيم أنا.. جئتك عاشقا ك نزار قباني أحمل لك رياحين وطيوب وعلى جبينك وردة وكتاب يبدأ بسورة الفتح... جئتك ملهوفاً ومغرماً لأغني لك كما غنى لك بوشناق أحلى أغانيه عن الجبل والسهل والوادي.. وأردد في ذكرك أجمل الأشعار وأغرد كما أبو القاسم الشابي أجمل الأشعار ولطيفة في الميناء والبحر كالبلبل الشادي..
.. تونس يا أنتي .. أنتي وطني الثاني وحبي الأول...