ابدعت الحكومة في قصة "مدونة السلوك" بشأن العلاقة بين الحكومة والصحفيين،ومادمنا فتحنا الملفات،فلُنكمل معالجتها حتى النهاية بشأن اوراق اخرى.
الحكومة تريد ترسيم الحدود بين السلطة التنفيذية والصحافة،وتريد خفض النفقات المالية،وان يعود كل شيئ الى اساسه وطبيعته.حسنا.اين بقية الملفات في هذا التوجه بشأن غير الاعلاميين.كم عدد مستشاري وخبراء امانة عمان الكبرى من غير الاعلاميين وفي مجالات متعددة،وماهومقدار رواتبهم؟.هل هناك رواتب وعقود بعشرات الاف الدنانير سنويا،وكم عدد المستشارين والخبراء من غير الاعلاميين في سلطة العقبة الخاصة؟كم عدد المستشارين والخبراء من غير الاعلاميين بعقود لدى المؤسسات المستقلة وشبه المستقلة؟كم عدد الخبراء والمستشارين من غير الاعلاميين،لدى الجامعات والبلديات والمؤسسات العامة،والمؤسسات التي يساهم فيها الضمان الاجتماعي؟كم عدد المستشارين والخبراء من غير الاعلاميين الذين يتم تعيينهم على حساب المشاريع والمنح؟وماهو مقدار رواتبهم؟وعلى اي اساس تم تعيينهم؟كم عدد الذين تم تعيينهم في الوزارات بعقود من خارج الاعلاميين،وماقيمة عقودهم،وهل تساوي كفاءاتهم؟وعلى اي اساس تم تعيينهم؟.
قد يستشف البعض ظُلما انني احُرض ضد الحكومة،واريد ان تستغرق في حروب رئيسية وثانوية.برغم انني لست مُتضررا.القصة ليست كذلك.الرسالة واضحة ومباشرة.مادمتم فتحتم الملف فعليكم ان تُكملوا حتى النهاية،لان ليس من العدل من "باب الاشارة" ان يتم اطلاق "مدونة السلوك" وهي تحوي رسائل وكأن الوسط الصحفي فاسد ومخترق ويتم شراء ذممه بوظائف حكومية،وبأعطيات من فوق الطاولة وتحتها.انا اؤيد المدونة،واعرف ان من يرفضها فقط هو المتضرر.لكن مهلا...علينا ان لانستغرق في شتم ذاتنا وكأن المشكلة هي في الوسط الصحفي،وتحريره يكون بصرف عشرات الموظفين من اعمالهم،فيما بقية الاوساط سالمة،ولو عدنا الى "الوثائق"لاكتشفنا خللا في كل القطاعات،من حيث الرواتب واسباب التعيين.
علينا ان لانُكرر الفعلة حين تم نقد الصالونات السياسية ذات يوم،فخرج كل المسؤولين المتقاعدين ليشتموا الصالونات السياسية....اذن من كان المقصود يومها؟؟مادام الجميع ينتقد، والجميع كان اساسا مقصود بالاشارة، ومادمنا شركاء في الجريمة،ونُندد بالمجرم المبني للمجهول؟في سلوك انفصامي.كل صحفي محترم يؤيد ترسيم العلاقة بين الحكومة والصحافة،وليعرف كل طرف ماله وماعليه،وليكف المسؤولون شرهم عنا اولا،فلا يغازلون صحفيا،ولايُهددونه،ولايتحّردون عند كل كلمة.المدونة ممتازة.لكنها تأخذنا الى ماهو ابعد...الى حدود السؤال حول من صنع هذه الظواهر؟هل هي الحكومات؟ام الصحفيين؟.
لماذا يتم تجريم الوسط الصحفي،ويصير الصحفي مشتوما مشكوكا فيه،ولايستطيع كثيرون ان يُفرقوا بين الصحفي الجيد وغير الجيد،وبين المقصود وغير المقصود،لان المواطن يسمع فقط عن صحفيين يرتشون وصحفيين تريد الجهات الرسمية اعادتهم الى مربع العمل المهني.الى بيت الطاعة الصحفي.المدونة مرة ثانية ممتازة،لكن دون ان يتم تسخيرها لجلد الوسط الصحفي،على عموميته،ودون ان يتم توظيفها لجعل الصحافة في خانة المسترزق،عبر وظيفة او اشتراك.بصراحة الحكومات هي التي صنعت هذه الظواهر،واذا بدأنا بمعالجتها فعلى الحكومات ان تتحمل ثلاثة ارباع المسؤولية،لاعكس الصورة، وتحميل سوداوية المشهد للصحفيين.السؤال الاخر...هل رواتب الصحفيين في المؤسسات الصحفية كافية ومناسبة لتحصين الصحفي؟هل اوضاع الصحفيين الاقتصادية اساسا عادلة؟ولماذا لاتعالج الاختلالات من جذورها؟.
ندعم الحكومة بشدة على جرأتها وقدرتها على ترسيم المسافات،وهو امر مُرحب به،وننحاز له ضمن التعريفات السابقة فقط،ونُذكر ان اي ممارسة سلبية كانت من فعل القلة لا..الاغلبية،وعلى الاغلبية ان ترحب بالترسيم،دون ان تستغرق في جلد وسطها المهني،ايضا،لاننا نعرف ان الحكومات هي التي ابتلعت الاعلام والاعلاميين،وفتحت مدار الشهوات.اليوم نحن بحاجة الى مواصلة العلاج،وان نفتح ملف الرواتب والعقود في كل المؤسسات العامة،من الوزارات الى امانة عمان الى البلديات الى المنح والتمويل والمشاريع،والجامعات والمؤسسات المستقلة،وغير ذلك من مؤسسات.علينا ان نفتح ملف كل هذه التنفيعات لغير الاعلاميين،ليس من باب النكاية واستدعاء الحروب الصغيرة،بل من باب العدالة،والتطهير الكلي،لكل مافي المشهد من اختلالات.
المدونة ممتازة.ولاغمز من قناتها،ولا من قناة من وضعها.غير ان الرسالة ببساطة هي انه لايجوز ان نستغرق في ادانة انفسنا،وان نتذكر ان الحكومات هي من خلق الظواهر المُشوهه،وهي التي قفزت على ظهر الصحفيين في منتصف الليل،دون موعد مُسبق،واستدعتهم لوظائف صغيرة وكبيرة،وآن الاوان لتصحيح كل هذه التشوهات،عبر معرفة الطرفين مالهما وماعليهما،على اساس ان الحكومة سلطة والصحافة سلطة،فيما يتوجب اكمال معالجة بقية الملفات،وهو امرننتظره بين لحظة واخرى.
ترسيم الحدود جدي ولن تتراجع الحكومة عنه تحت الضغط او التهويب،على مايبدو،لكنه ايضا ترسيم حدود غير مُكتمل،ولابد ان يكتمل بمعالجة بقية الملفات،فالموت مع الجماعة رحمة،!!.
لزواج المتعة نهاية،ويالها من نهاية!!.
mtair@addustour.com.jo
الدستور.