لغاية كتابة هذه السطور، لم يفصح الرئيس ترامب عن صفقة القرن بعد، ومن غير المعلوم اذا كان إعلانه سيتم على شكل رؤيا او تصور يحمل بصمته، ام انه سيكون تفصيليا بتسويات محددة بشأن ملفات النزاع. الثابت ان ما سيطرحه الرئيس الاميركي يخالف قناعاته التي أفصح عنها هو شخصيا في ان أي تسوية يجب ان تكون ضمن ما تتوافق عليه الأطراف الرئيسة بالنزاع والمعنية بالتطبيق، ولا يجب او يمكن ان يتم إملاؤه من قبل اي جهة خارجية.

الرئيس الاميركي وفريقه للشرق الاوسط لم يقوموا بالتحضير والتشاور والتهيئة لما سيقدمونه وهذا متطلب مفصلي وعمل سياسي حاسم غيابه سيكون مضرا لجهة قبول وتطبيق التسوية الاميركية المنتظرة.

الحليفة إسرائيل ذاتها سيتم تقديم “إيجاز” لها من خلال رئيس الوزراء ومنافسه الرئيسي بالانتخابات اللذين تمت دعوتهما لواشنطن لهذا الغرض.

لا يمكن للأردن إلا التحفظ على أسلوب العمل فهو يعاكس رؤيته بأن الحل لا بد ان يكون “قابلاً للتطبيق” والحياة، فالنزاع الاطول لا يعوزه نقص بالأفكار او فقر بالخطط فمشكلته كانت دوما الحلول والخطط غير القابلة للتطبيق التي لا تتم بالتشاور والتنسيق مع الجهات المعنية بالتطبيق. اذا فمن حيث الشكل ومن دون الاطلاع على التفاصيل، نستطيع أردنيا ان نرى كيف ان هذه الصفقة ستولد ميتة حتى وإن أتت من القوة الاعظم والاكثر تأثيراً بالصراع.

الادارة الاميركية لم تدعُ الفلسطينيين ولا الأردن ولا مصر او أيا من الدول العربية المؤثرة، وشكراً للإدارة على ذلك، لأنها كانت ستضعهم بحرج وهي تعلم ان ما سيتم طرحه على الاغلب لن يكون مقبولاً. لا نعلم على وجه الدقة حجم التنسيق والتعاون السياسي حول هذا الملف بين أميركا والدول الرئيسة في المنطقة، وتصريحات “لم نطلع عليها” تشير الى غياب مستهجن للتنسيق بين الحلفاء الاسراتيجيين، وقد يكون ذلك نتيجة طبيعية لأحادية الإدارة الاميركية وفوقيتها في التعامل مع الحلفاء فقد فعلت ذلك أيضاً مع دبلوماسييها وعسكرييها في الميدان، وغير معروف لماذا وصلت العلاقة مع أميركا لهذا المستوى، او ما كان يمكن عمله لتجنب الاضطرار لقول “لم نطلع عليها”، فذاك تصريح يجنبنا النقد الداخلي لتعاملنا مع صفقة القرن لكنه ذو تكلفة سياسية على الاردن، ونرى بوضوح كيف أنه أسعد عدة دول بالإقليم.

ردة الفعل الأردني مما سيعلنه الرئيس الاميركي تحتاج لكثير من الحكمة والتروي. آخر ما نريده ان نستعجل الرفض تحت ضغط الاعلام حيث سيبرع الاقليمي والمحلي منه بالضغط للحصول على موقف والنتيجة اختباء لاعبين إقليميين خلفه.

مطلوب موقف سياسي محكم لا يخاطب الداخل فحسب بل العالم وبلغته. ولا عيب بالمطلق القول إننا ندرس الطرح الاميركي، وإننا نرى إيجابيات بعضه، ونتحفظ على أخرى، ونرفض بعضه الآخر، ونؤكد مجدداً على المقاربة الأردنية المقنعة بشأن النزاع. ولا يضير أيضاً رمي الكرة بملعب الادارة الاميركية وتوجيه أسئلة لتوضيح طروحاتهم قبل أن نتخذ موقفا نهائيا منها.
(الغد)