الأردن وصفقة الأمر الواقع!
د. زيد نوايسة
28-01-2020 12:58 AM
مع صدور هذا المقال ربما تكون ملامح الصفقة الأولية قد ظهرت رسميا بعد لقاء الرئيس ترامب مع نتنياهو ومنافسه غانتس في غياب الطرف الرئيسي وهو السلطة الفلسطينية وغياب الأردن ومصر وهما الطرفان الأقرب للمشهد الفلسطيني تفاعلا واشتباكا معه.
توقيت طرح الخطة يهدف أولاً لحرف الأنظار عن تداعيات قضية عزل ترامب ومحاولة لكسب اللوبي اليهودي والإنجيليين في الانتخابات الرئاسية المقبلة ومحاولة لإنقاذ نتنياهو وتعويمه قبل الانتخابات الإسرائيلية في الثاني من آذار المقبل وفي المحصلة تدير الإدارة الاميركية الصراع لصالح نتنياهو أكثر من رغبتها بإيجاد حل دائم ومتوازن.
التسريبات والتكهنات حول تفاصيل صفقة القرن مستمرة وأغلبها من مصادر عبرية وآخرها صحيفة يديعوت أحرنوت، لذلك لن نتفاجأ إذا ما تطابقت التفاصيل مع ما تسرب منها. الثابت أن ما ستطرحه الإدارة الأميركية سيكون الأسوأ عبر اثنين وسبعين عاما من مسيرة الصراع؛ لا دولة فلسطينية كاملة السيادة، بل منزوعة السلاح، لا عاصمة في القدس، لا تفكيك للمستوطنات والقبول بيهودية الدولة شرط مسبق ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية وضم 40 % من المنطقة «جـ»، بمعنى آخر المطروح أميركيا ينسف كل القرارات الدولية رأسا على عقب ويدفن حل الدولتين وبالحد الأدنى الذي قبله العرب.
التنفيذ خلال أربع سنوات إذا لم يعترض الطرف الإسرائيلي والباب مفتوح فلسطينيا لمن يخلف القيادة الحالية إذا ما أصرت على الرفض فسيناريو البديل الفلسطيني القادر على تحمل تبعات القبول ربما يكون جاهزا وبالتوافق بين واشنطن وأطراف عربية تقرأ الأولويات بشكل مختلف على ما يبدو رغم المواقف المعلنة والمكررة.
كل ما ذكر حول الصفقة ليس جديداً. ومن كان يراهن على خلاف ذلك يعيش في كوكب آخر، المهم هو كيفية التعاطي أردنيا مع هذا التحدي الأخطر الذي يواجه الدولة وسط هذا السيل من الهجمة الإعلامية لصحافة اليمين الإسرائيلي المتطرف ومحاولات التشكيك والترويج لبعض الأخبار التي توظفها إسرائيل في سياق تصدير الأزمة للأردن.
دوائر صنع القرار في عمان تنفي بشدة اطلاعها على تفاصيل الصفقة وتنفي كل ما أثير حول وجود توجه بالعودة عن قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية وتكرر بأنه لم يناقش ولم يطرح مع أحد وأن لا مصلحة مطلقا للأردن للقيام بذلك وهو ما تم تأكيده بشكل قاطع لمجموعة من الكتاب والإعلاميين التقوا بوزير الخارجية أيمن الصفدي قبل أيام بحضور وزير الدولة للأعلام أمجد العضايلة ولمسوا جدية ووضوح الموقف الأردني ومن غير الإنصاف وعدم المسؤولية التشكيك به.
المؤكد أن الأردن يتهيأ للتعامل مع ما سيطرح بهدوء وحكمة ووضوح، والراجح أن هناك محاكاة سياسية أجراها المطبخ السياسي من خلال قراءة عدة سيناريوهات موازنا الكلفة السياسية لكل واحد منها، ولكن الثابت أيضاً أن هذه المحاكاة كانت تحت عنوان واحد هو مصفوفة المصالح الوطنية الأردنية بما فيها إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة لأن في ذلك مصلحة أردنية قصوى ولن يقبل الأردن ما قد يتعارض مع تعريفه الدقيق لمصالحه، ولكنه في تقديري يدرك أن إسقاط الصفقة ليست مسؤوليته وحده فالموقف العربي الموحد هو الأساس الصلب للرفض.
بعيداً عن ردود الفعل الرافضة؛ فلسطينيا وعربيا وهي التي لن تترك أي أثر لدى الإدارة الأميركية التي تقرأ اللحظة العربية الراهنة وتتعامل على أساسها، نحن امام صفقة الأمر الواقع فهي تُقدم للإسرائيليين وعليهم في حال قبولهم المضي فيها دون تردد والعرب وموقفهم خارج السياق الأميركي الآن.
(الغد)