الثقافة المدنية في عالم متأزم ..
د. عبد الحميد الأنصاري
27-01-2020 07:11 PM
الثقافة المدنية هي تلك الثقافة التي تجعل الإنسان راقيا في سلوكه مع أخيه الإنسان، وتدفع المواطنين إلى استتفار جهودهم الطوعية في سبيل تقدم مجتمعهاتهم ونهضة أوطانهم، وهي مدنية نسبة إلى ثقافة ساكن المدينة بعد أن تحضر فكرا وسلوكا وأصبح يحترم القانون والنظام العام ويساهم في النشاط العام للمجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا، تمييزا عن ثقافة ساكن القرية والبادية.
لماذا الثقافة المدنية؟
تشكل الثقافة المدنية وتجذرها في التركيبة المجتمعية، صمام أمان تجاه أمراض فكرية مثل: الفكر المتطرف والفكر التكفيري والتخويني والإقصائي والطائفي المزعزع لاستقرار المجتمع ، كما أنها خير عاصم للأوطان من الزوال أو الانهيار في أوقات الكوارث والحروب والتفكك، فغياب هذه الثقافة هو ما يفسر تفكك مجتمعات الاتحاد السوفيتي القائمة على النظام الشمولي، ونجاح مجتمعات مثل بولندا وتشيكو سلوفيا والبرتغال واليونان وأسبانيا في التماسك والعبور إلى بر الأمان والديمقراطية، بسبب وجود بنيتها التحتية ،ممثلة في قيم ومؤسسات المجتمع المدني، كونها تشكل الشرايين الرئيسية التي يجري فيها السائل الحيوي للديمقراطية..ومجتمع بلا ثقافة مدنية مجتمع ميت، معرض للانعزال والانكماش، ومصيره للزوال. ومن ناحية اخرى فإن الثقافة المدنية هي الحصن المنيع للمحتمع تجاه تسلط واستبداد النظام السياسي وابتلاعه للمجتمع.
إن التأزم الداخلي الخليجي وتداعياته الخطرة على مجمل العمل المشترك، وتعثر مخارجه وحلوله، ومن ثم طول أمده، إنما يرجع أساسا، إلى ضعف ثقافة المجتمع المدني الخليجي ، بسبب تجذر الفكر العصبوي القبلي الضيق الأفق، يضاف إلى ذلك الدور السلبي الخطر والذي تقوم به منابر ومنصات التواصل الاجتماعي في زرع وتعميق خطاب الكراهية والقطيعة في مفاصل المجتمعات الخليجية كونها تخاطب الجانب الغرائزي الانفعالي في الإنسان الخليجي ومصالحه الآنية لا عقله والمصالح المشتركة والمصير المستقبلي.
المثقفون الخليجيون مطالبون بعدم الاستسلام لهذا الوضع المتردي، عليهم مواجهة خطاب الكراهية وتحجيمه وتفكيكه بخطاب تنويري تسامحي مبشر، يغلب المصالح المشتركة على المصالح الآنية الضيقة، عليهم أن يدركوا أن حركة التاريخ معهم لا مع المتخندقين في سجن الهوية الضيقة، لابد لهذه العقليات والنفسيات العصبوية أن تتغير بمرور الزمن وانتشار الوعي بالمخاطر ،وسيصبح التأزم الخليجي تاريخا ماضيا بإذنه تعالى.