الأزمات متتالية، الطبيعة والموارد والجغرافيا فرضت قيودها على شكل ومضمون خريطة الوطن وما يملكه من قدرات كان الإنسان ويبقى أثمنها، المحيط أنتج أزماته وتم تصديرها ونحن الجار الأقرب له حصة الأسد، التاريخ والوعد الغادر بأن تكون فلسطين وطن لشتات اليهود في العالم من خلال كيان مستعمر يستمد توسعه وبطشه كمشروع لمنظومة عالمية ترعى سلامته واستدامته ، ما تعدد يأخذنا أن البلاد تنوعت مصادر التحديات والأزمات التي تواجهها وتعانيها ، اليوم بات العالم ضمن ثابت واحد وهو التغير السريع وفرض التغيير بما يناسب موازين القوى دولياً وفق لغة المصلحة التي تحكم مفهوم البقاء بكل ما تعنيه الكلمة.
الأردن دوماً مؤمن بأن السلام هو الخيار الإستراتيجي على الرغم من كل التحديات والضغوطات التي يمارسها الجانب الاسرائيلي فنحن أمام تحولات تاريخية ذات نسق متسارع ليست آنية حتى نحكم على المشهد بأنه غريب ، وهذا أشبه بحالة من الإنهزام والتخلي عن دورنا بفرض الحالة التي نريدها لضمان وجودنا كمركز قوى ليس إقليميا فقط بقدر ما يعنينا شأننا الداخلي ومعالجة مشكلتنا ومواجهة الظروف الصعبة التي نمر بها .
الإقتصاد والسياسة والثقافة وكل أركان النهوض البشري وما يحكم حياتنا ضمن المفهوم الشامل هو نتاج بناء وتقديم وبذل المزيد، لا يكفينا القراءة والتحليل دون أن يكون لنا دور حقيقي ومباشر في صياغة تلك الحلول وتنفيذها ، ما يثير الدهشة بأننا نتحدث عن الأردن منذ تاريخه حاضنة أنتجت الإقتصاد ومن يعملون فيه وأيضاً غيرهم من نخب السياسة والتنمية والتطوير، أليس الحق الذي يرافق كل ذلك هو أن نعود لمربع الواجب والمسؤولية في أن نقدم للأردن ولا نتراجع أو نتقاعس، لأن المنطق يقول لا مظلة بقيت لنا سوى أن أصل الشيء يعود إليه ، وهذا لأجلنا جميعاً.
من أنتج حالة الإحباط العام ومدى تأثيرها هو نحن، وهنا أتحدث عن أفراد ومؤسسات وحكومات وبرلمان ومختلف القطاعات، بأن أصبح الكل يدافع عن صورته دون الوقوف أمام المسؤولية التي تقع عليه ،من ينتج التعليم وتعبئتنا الثقافية نحن أيضا،وهنا نقرر شكل المجالس المنتخبة والحكومة والوظيفة العامة ونحكم علاقتنا بالإقتصاد والمجتمع المدني وأيضاً تلك القيم والعلاقات الإجتماعية والأعراف الحميدة التي نقول أنها اندثرت، إذاً الحالة عملية مترابطة ومعقدة التركيب لا نستطيع تجزئتها وتقزيمها وفق نظرية تراعي عقلية لفرد أو مجموعة بحد ذاتها ، وأن نعي بأن الوطن لا يعامل وفق نظرية المصالح وماذا يقدم؟. رغم إدراكنا بأنه لم يبخل ويمنحنا ما لم يُمنح لكثير مما نشاهده سواء في الإقليم أو العالم ،فالحل الأوحد لنا أن يكون الدفاع أردنياً ضمن روافع تسهم بالمباشرة في العمل والتخلي عن الإكتفاء بالحديث حول المشكلة والتهرب من المسؤولية والبحث عن جهة نسقط عليها أنها السبب في الأزمة ضمن لغة الأطراف المتضادة.
ما يحاك حول الأردن أزمة واضحة الأدوات وملموسة من الخطط المدروسة والموجهة بأن تكون سموم منتشرة في مفاصل المجتمع والإقتصاد والسياسة والإعلام وتغذي جسم الأزمة التي نوصفها بأنها الثقة بالآخر وما يؤثر في الجو العام للمجتمع ،بقدر ما تمسه بثقتنا بأننا صامدون في وجه تيارات التخلي والتآمر والتخاذل التي أرهقتنا ،ولكنها لم ولن تثنينا بالعودة لأن نستمر وندافع عن رسالة الأردن وفق مفهومه وعمقه الحقيقي وأركانه، الدفاع عن الأردن لن يبخل به أحد لأنه أدوار تتكامل يجب أن تكون متوازنة بقدر ما نطمح إليه أن يكون مزدهراً وآمناً في ظل ما نشاهده اليوم من تعنت أمريكي إسرائيلي في فرض حلول أحادية الجانب بتصفية القضية الفلسطينية وقتل مساعي السلام على حساب الأردن وفلسطين ، فلذا من الواجب الحتمي أن تكون يقضة جماعية لمواجهة كل ما يضعف جبهتنا الوطنية ويدعم مواقفنا الثابتة.