رؤية لقانون انتخاب يتناسب وواقع المجتمع الأردني
يوسف ابو الشيح الزعبي
26-12-2009 06:03 AM
تنشط كافة الأوساط الأردنية الحكومية والشعبية في الوقت الراهن بهدف إنتاج قانون انتخاب عصري يلبي طموحات المجتمع الأردني، ويترجم الرؤى والتوجيهات السديدة لجلالة الملك عبدالله الثاني. ولاصدار قانون انتخاب جديد يحظى بموافقة ورضى قطاع واسع من المجتمع، لا بد من الإقرار بواقع ونسيج المجتمع الأردني ذاته، المبني على التركيبة العشائرية ومواطنين من مختلف الأصول والمنابت ذوي اتجاهات وميول سياسية متعددة، ذلك ان قانون الانتخاب المعمول به حالياً المستند لآلية الصوت الواحد لا يلبي الطموحات العديدة ولا يعبر بشكل واف وصحيح عن كافة فئات المجتمع الأردني ومؤسساته الحزبية وقياداته السياسية والفكرية التي بحاجة لدعم ومساندة.
أن الغالبية العظمى من دعوات الإصلاح السياسي تضع اللوم على قانون الصوت الواحد الذي يخدم العشيرة الأردنية فقط – على حد تعبيرها- وتطالب بتغيير هذا القانون لهذه الغاية، متجاهلة في ذات الوقت الواقع الأردني الأصيل من حيث مكانة العشيرة في التركيبة السياسية والاجتماعية والثقافية الأردنية.
حقيقة أن هذا الانطباع السائد الذي يشير بأن العشيرة تمارس دوراً سلبياً في الإصلاح السياسي في الأردن ، هو انطباع خاطئ وغير دقيق بحق العشيرة ، التي تمارس في الواقع دوراً ريادياً وأكثر رقياً في التنمية السياسية والإصلاح السياسي. وسبب الانطباع الخاطئ مرده بالأساس الخلط المتأتي بحقيقة "العشائرية" ، حيث لا يوجد تمييز بين مفهومين "للعشائرية"، السلبية منها التي يقصد بها: العشائرية المتعصبة الضيقة والتي تنادي بالقيم والعادات والمصالح الضيقة والبعيدة عن الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي والتعليمي ، والعشائرية الإيجابية: التي أخذت تنتهج حديثاً النظرة العامة والرقي في التعامل السياسي أو في الاختيار للمواقع العامة المهمة سيما البرلمانية والبلدية بناءا على ترشيح فروع العشيرة للشخص الأكفأ والأنسب من أبنائها وإذا جاز التعبير العشائرية التي تمارس " النظام الديمقراطي الداخلي"، وبالمحصلة هذا النوع من العشائرية يجب ان نحافظ عليه ونطوره وندعمه باتباع آلية انتخاب ملائمة له، لا ان يتم تجاهله ومحاربته.
ونؤكد بان اي إصلاح سياسي منشود لا يأخذ واقع العشيرة الايجابية كحقيقة فاعلة ورئيسة في الساحة الأردنية سيكون حراك سياسي منقوص لن يكتب له النجاح . لذلك نستغرب من الطروحات والاصوات الكثيرة ومن أساتذة كبار وضعوا تصورات لقانون انتخاب جديد، اغلبها حملت الوصفة الغربية غير الملائمة لطبيعة المجتمع الأردني.
وعلى العكس من ذلك فان دعوتنا هنا بضرورة إيجاد قانون انتخاب جديد مختلط لمجلس نواب مكون من 120 مقعدا، يتضمن القانون آلية الصوت الواحد على مستوى الدائرة او المنطقة كما هو معمول به حاليا، كذلك آلية القائمة النسبية (على مستوى الوطن). وبتفصيل آخر فان التصور هنا، يرتكز على: - وجود 80 مقعدا في مجلس النواب ضمن آلية الصوت الواحد. - وجود 40 مقعدا ضمن آلية القائمة النسبية.
ونعتقد بان الخلط بين الآليتين (الصوت الواحد والقائمة النسبية) سيخدم طبيعة المجتمع الأردني، فالهدف من بقاء قانون الصوت الواحد هو خدمة العشائر الأردنية الأصيلة، بحيث تقسم المملكة لمجموعة من الدوائر بعدد النواب الخاضعين لآلية الصوت الواحد وكل ناخب له صوت مباشر واحد لاختيار نائب ضمن دائرته. والعمل على تنظيم دوائر ( الشركس ، الشيشان ، المسيحية)، وتقسيمها بشكل عادل ومتزن، على أن تكون ضمن الـ 80 دائرة.
كما ان تصورنا يتضمن تخصيص نسبة معينة من مقاعد النواب للقائمة النسبية بحيث لا تزيد عن 35% وان لا يتجاوز عدد المقاعد عن 40 مقعداً من عدد المقاعد الكلية وإلغاء كوتة المرأة ودمجها ضمن القائمة النسبية، بوضع شروط لكل قائمة ( سواء كانت القائمة تابعة للأحزاب السياسية الموجودة أو حتى تشكلت من أعضاء من مختلف أنحاء المملكة) لخوض الانتخابات، بان ترشح نسبة محددة من النساء بنسبة لا تقل عن 25 % من اصل العدد الكلي للقائمة والذي يبلغ 40 مقعدا ، وهنا نضمن فوز عدد من المرشحات وفقا لبرامج سياسية ووطنية حزبية. إضافة إلى ذلك فتح المجال لترشح المرأة وفقا لآلية الصوت الواحد مساواة مع الرجل، وفي تصورنا أيضا وضع شرط رئيسي لكل قائمة بان تمثل من كافة محافظات المملكة الاثنى عشر .
المهم هنا في طريقة حساب فوز القائمة النسبية هو تقسيم مجموع عدد الأصوات التي حصلت عليها كافة القوائم على عدد مقاعد القائمة الـ 40 وبالتالي نظمن بان اغلب القوائم ستشارك في المجلس المنتظر، ونظمن تلوينه بالأحزاب والتيارات السياسية المختلفة أو حتى بالمجموعات والكتل المستقلة التي التقت على هدف ورابط سياسي وطني مشروع ضمن برنامج انتخابي متكامل للتمثيل في مجلس النواب. فمثلا اذا حازت الكتلة (س) على عدد أصوات 100 الف صوت تحصل على عشرة مقاعد وكتلة (ص) على 10 الف صوت تحصل على مقعد واحد وهكذا. أما اختيار المرشحين داخل الكتلة فيكون بالترتيب حسب تدرجهم عند قائمة الترشح 1،2،3 وهكذا حتى نستوفي عدد المقاعد التي فازت بها كل كتلة، وطبعا يكون ترتيبهم بنظام داخلي متفق عليه داخل كل كتلة.
أن توقعاتنا من اصدار قانون انتخاب جديد بهذه الآليات ان يحدث نقله نوعية في التنمية الحزبية والسياسية بحيث تساهم آلية القائمة النسبية في القانون الجديد على تنمية وتكتل الأحزاب السياسية المتشرذمة الـ16 والكتل البرلمانية في مجلس النواب السابق ومن مختلف التيارات اليسارية والقومية والإسلامية والليبرالية والوطنية وتجمعيها في أحزاب وكتل رئيسية كبيرة وقوية.
كذلك من المفترض ان يكون القانون الجديد مرن وقابل للتطوير، بزيادة نسبة عدد المقاعد لدى القائمة النسبية تدريجيا بشرط ان تعكس الزيادة النجاح المتحقق كذلك تطوير الأحزاب والتيارات السياسية المتكتلة. وممكن ان تزداد نسبة آلية الانتخاب وفقا للقائمة النسبية ضمن القانون، وتصبح من 35% الى70% وهكذا الى ان تصبح اخيرا 100% او العكس بان تصبح 0% اذا لم تلائم هذه الآلية طبيعة المجتمع ولم تثبت نجاحها والأهداف العادلة المتوخاة منها، فالأمر متروك للتجربة والمصلحة العامة، والذي يحدده المسؤولين المعنيين كذلك أساتذتنا قادة الفكرة والرأي بناءا على التغذية العكسية المتأتية من المجتمع.
*كاتب ومحلل سياسي اردني
yousefaboalsheeh@hotmail.com