الطابور الاسرائيلي في الأردن
سيف الله حسين الرواشدة
26-01-2020 01:14 PM
في فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية لم يكن أحد يريد أن يحارب مرة أخرى، كان هناك جو عام من رفض ارسال الشباب الى حرب الخنادق الطويلة من جديد، إضافة الى جو كثيف من عدم الثقة بين الحكومة والمجتمع.
كانت فرنسا في ذلك الوقت تمتلك أكبر جيوش أوروبا وأحسنها تجهيزاً وتدريبًا، ولما بدأت الحرب سقطت باريس خلال أسابيع من دون أي مقاومة تذكر، فقد ذهب الجنود الفرنسيون للجبهات ولم يكونوا متحفزين للقتال أو مؤمنين بجديته، وكانت احاديث السلام مع هتلر مازالت تسمع في الجلسات والمقاهي، إضافة الى الانقسامات والاستقطابات التي انهكت المجتمع، والتي انتجتها الاشاعات والاقاويل.
فرنسا هزمت في حربها قبل أن تطلق أي رصاصة في الهواء، فالهزيمة أتت من الداخل، من مجتمع مشتت وحكومة ضعيفة، هزيمة فرنسا كانت هزيمة مشروع ضلّ من آمنوا به يوماً.
وفي عمان التي احترفت إسرائيل تصدير ازماتها اليها، وتريد هذه الأيام أن تحل مشاكلها على حسابها، تدور أحاديث مساء الأردنيين حول صفقة الغاز وتصريحات الاعلام العبري وساسة إسرائيل، أو حول تسريبات صفقة القرن وفك الارتباط ومستقبل القضية الفلسطينية، ويدس في تفاصيل هذه الاحاديث الكثير من الشائعات والتلميحات وبالونات الاختبار، حول ضعف الدولة وسوء ادارتها واختراقها أحيانا، فمنذ أيام ونحن نسمع عن تيار إسرائيلي في عمان يسعى لتنفيذ أجندات مريبة، وفاقم شعور الإحباط هذا ضعف حكومي امتدت عدواه الى الاعلام، وفجوة ثقة مازالت تتسع بين الحكومة وأدواتها وبين الشارع الأردني، فيما لاتزال معاول الفساد واهتزاز الشخصيات العامة تحفر بهذه الفجوة ليزداد عمقها.
بعد كل ما سبق يجدر الإشارة إلى نقطتين مهمتين، أولهما: الفرق بين الحكومة والدولة، فالدولة من مكوناتها مجموعة من المؤسسات السيادية التي بناها الأردنيون في المئة عام الماضية أثبتت جدارتها في امتحانات صعبة كثيرة، راهن الجميع فيها ضد بقاء الأردن، وتمكنت هذه المؤسسات ومن انتجته من شخصيات عامة من العبور بنا وبوطننا الى بر الأمان، في ظروف أصعب وأعقد مما نمر به اليوم بكثير، فمازالت ذكريات حرب الخليج الثانية وموقف الأردن من غزو الكويت وما تلاها حاضرة في أذهان الجميع، مثالا على ما سبق.
أما النقطة الثانية فهي أن نتوقف ونسأل، لماذا يحصل كل هذا الان تحديدًا؟ لماذا يطل علينا الاعلام الصهيوني بتصريحات استفزازية حول صفقة الغاز اذا كان المفترض أنه هو الطرف المستفيد الأكبر فيها؟ ولماذا يتحدث البعض اليوم عن تيار في الأردن يحترف تنفيذ أجندات الخارج منذ زمن لتكسير الدولة واضعافها؟ ولماذا تحول الحديث فجأة عن رفض الصفقة الى الخيارات بعد قبولها قصرًا متعللين بالواقعية السياسية؟ ولماذا نتفاعل مع كل بالونات الاختبار التي تطلق علينا، مثل إعادة نبش قرار فك الارتباط، ومعرفتنا بتفاصيل صفقة القرن وقبولنا المسبق لها، ومدى الضعف العام الذي يعاني منه جهازنا الإداري وفداحة ترهل بيروقراطيتنا.
كل ما سبق من عناوين تشغل الشارع الأردني أدت الى انقسامه على نفسه، واشغاله عن الأسئلة الأهم والعناوين الأبرز، بسحبنا من ايماننا بدولتنا ومشروعنا، لنكون مجتمع مقسم مشتت يعاني من الضعف ولا يتقن صلابة الرفض.
ختاماً، أياً ما كان سيصدر عن واشنطن قد لا يعني الكثير، فلا هي أول مبادرات البيت الأبيض للسلام والحلول النهائية ولن تكون آخرها، فمربط الفرس هنا هي الشعوب التي لا تقبل بما يريد ترامب أو غيره املاءه عليها، وكذلك فليست هذه هي المرة الأولى التي يحاصر فيها الأردن ليفرض عليه واقع ما، ويقاوم هذه الضغوطات ويتمكن من البقاء، لكنها قد تكون "لا قدر الله" هي المرة الأولى التي يرتد بها من آمن يومًا بمشروعه عن ايمانه، ومن هنا يؤتى الفطن الحذر.