يشكل العجز المتفاقم في الموازنة العامة ، وضعف القدرة على الإنفاق الرأسمالي حدودا قاسية لدعم التنمية في عدة مناطق من الأردن. ولكن هذا التقليص ينبغي أن يشكل فرصة لتحديد الأولويات في الإنفاق العام وتوظيف الموارد المالية الشحيحة في مكانها المناسب ، وفي هذا السياق قد تبدو بلدة الهاشمية في محافظة الزرقاء واحدة من أكثر المناطق في الأردن التي تحتاج إلى خطة انقاذ تنموية متكاملة.
تعتبر بلدة الهاشمية منكوبة بيئيا ، وربما يكون من الضروري لكل وزارة أن تضع هذه البلدة في مقدمة أولوياتها في مشاريع الدعم الخارجي. يعاني سكان البلدة من مثلث التلوث الأكبر في الأردن والمتمثل في مصفاة البترول والمحطة الحرارية ومحطة الخربة السمراء لتنقية المياه العادمة. وحتى في حال كان هناك نقص في الموارد المالية العامة فإن هناك موارد وأصولا في منطقة الهاشمية يمكن توظيفها من ضمن بعض الأفكار المقترحة لعناصر خطة الإنقاذ.
المشكلة الأساسية الآن هي مصفاة البترول. سوف تخضع هذه المؤسسة الوطنية الضخمة إلى برنامج إعادة هيكلة من خلال التوسعة واستقطاب شريك استراتيجي وهنا تكمن أهمية أن تتضمن خطة التوسعة التي تترافق مع إستمرار الإمتياز عناصر محددة لدعم التنمية المحلية ومنع التلوث. أجهزة التقاط الكبريت والتقليل من الغازات السامة هي مسألة لا يمكن التناول عنها في الشروط المرجعية للشريك الإستراتيجي الذي يجب أن ينقل أفضل أنواع التكنولوجيا الخاصة بمكافحة التلوث. ولكن المصفاة تملك أيضا موارد إضافية تتمثل في آبار للمياه ومساحات من الأراضي يمكن استثمارها من خلال تحويلها إلى حدائق ومتنزهات عامة تساهم في التخفيف من حدة تلوث الهواء من خلال زراعة الأشجار الحرجية وتوفير متنفس لسكان المنطقة بعيدا عن التلوث الهوائي.
محطة الحسين الحرارية مصدر آخر للتلوث ولكنها ايضا تملك الموارد والأصول التي يمكن تحويلها إلى عناصر تنمية من خلال برنامج للمسؤولية الاجتماعية والبيئية يتضمن تقديم الدعم المالي والفني للمؤسسات المحلية في تطوير برامج تنمية وتحسين للأوضاع البيئية والاقتصادية. هنالك فرص كثيرة في هذا السياق لم يتم اكتشافها بعد.
تحسن أداء محطة الخربة السمراء لتنقية المياه العادمة كثيرا خلال السنة الماضية بعد توسعتها وتحولها من المعالجة البيولوجية إلى الميكانيكية وقد لمس المواطنون تحسن نوعية المياه الخارجة من المحطة والتي أدت إلى "نهضة زراعية" في المنطقة وتوسع كبير في المساحات المروية لزراعة البرسيم. ولكن هذا يتطلب المزيد من التنظيم لحقوق المياه ومراقبة نوعية المياه المستخدمة من خلال آلية تعاون وتنسيق ما بين المزارعين والمؤسسات المعنية. يمكن لمحطة الخربة السمراء أن تكون مصدرا لتطور كبير في الإنتاجية الزراعية في حال تم التوصل إلى نمط مناسب بيئيا وتنمويا من الزراعات المنظمة.
تستحق بلدة الهاشمية ومواطنوها المزيد من التركيز في التخطيط التنموي وعدم الاستسلام لحقيقة ضعف الموارد المالية العامة لأن هناك موارد طبيعية واقتصادية ومؤسسية يمكن توظيفها بشكل مبدع ومتكامل لخدمة التنمية وتجاوز المعضلات البيئية والصحية في بلدة منكوبة بكل معنى الكلمة."الدستور"