الكلمة التي القيت باسم "العرب اليوم" في حفل تأبين الزميل سمير ابو هلالة مساء الخميس الماضي
عندما يطير العصفور يبقى الغصن... وعندما يرحل الشاعر تبقى القصيدة... وعندما يغادر الصحافي تبقى الحقيقة... انها الصحافة, مهنة المتاعب.. تُوقعنا في شباكها حبا وعشقا ثم تنقل الينا الامراض والمعاناة وتخطف بعضنا شبابا... انها الصحافة التي تخفي وراء مظهرها البراق موتا يدق الباب, قد يأتي مبكرا فيفجع... وقد يحل متاخرا فيحزن...
إنني اتهم المهنة واوراقها واحبارها وهمومها وضغوطها, هكذا مهنة, تنسل فينا وننسل فيها مثل فيروس العشق, ثم تقتلنا بصمت واحدا تلو الآخر.
ذهبنا الى معان غير مصدقين الخبر المشؤوم برحيل سمير, كنا نتوقع ان نراه على زاوية حارة الطور قبل المقبرة بقليل, كنا نتوقع ان يلاقينا كعادته مرحبا, لكنه اصر ان تكون المقبرة مكانا للقاء.. وجدناه مسجى والوجوه يلفها الحزن والدهشة بهذا الرحيل العاجل.
عندما كان يشد سمير في "العزيمة" لتناول المنسف او المجللة او الزرب في معان, كنا نتهرب من حلفانه بالقول "لن نأكل يا سمير الا من (إقرى) عرسك" فكان يبتسم كعادته "اكسبوها هالمرة وبعدين الله بفرجها".
تعرفت إلى الزميل سمير عام 1997 يوم تأسيس صحيفة "العرب اليوم" فقد كان من المتحمسين للعمل الصحافي بعد ان هجر الخدمة في القطاع العام غير اسف عليه, طامحا إلى الافضل واضعا نصب عينيه نيل الشهادة الجامعية وقد نالها وكان يخطط للماجستير والدكتوراه, لكن حظه العاثر قاده الى نهاية اخرى.
كان سمير معانيا, شديد الحماسة للحديث عن رأس النقب وثلوجه, وكان يفرح كالاطفال عندما يعود الى بيت اهله في معان كل شهر او اكثر. لم يفرق سمير في الحب ايضا بين كل مدن الاردن, فالرمثا كانت لديه مثل مادبا وعمان مثل اربد والزرقاء مثل السلط, بل زاده العشق العروبي حبا لكل بلاد العرب, لتوصله حماسة الشباب إلى مدينة البصرة في ثمانينيات القرن الماضي متطوعا في قوات اليرموك الاردنية التي قاتلت إلى جانب الاشقاء العراقيين دفاعا عن ارض العراق.
وأحب سمير ارض فلسطين وقضيتها وشعبها فكان دائم الحضور في الفعاليات المساندة ومتظاهرا شرسا امام السفارة الاسرائيلية في عمان ومقاتلا عنيدا على جبهة التطبيع مع العدو الصهيوني وهو الذي رفض بشدة عندما تدارس اخوته واصدقاؤه امكانية علاجه في الخارج كتب على ورقة بعد ان عجز لسانه عن النطق " اذهب للعلاج في كل الدنيا ما عدا الكيان الصهيوني.. اموت في الاردن اشرف لي.. هذه وصيتي", يا الله كم هو موقف جميل ابيّ حتى آخر قطرة من الحياة.
كان سمير امميا في علاقاته الانسانية فوصلت إلى فرنسا وحزب الخضر والدول الاسكندنافية, فكان من الصحافيين المتخصصين في شؤون البيئة والزراعة وسجل صولات وجولات في الدفاع عن حبات الارض الاردنية والفلاحين وابناء الحراثين.
عشق سمير, الارض الاردنية وعشق تاريخها كما عشق سيرة المجاهدين والشهداء الاردنيين على ارض فلسطين وكتب صفحات مطولة عن الملك المؤابي "ميشع " والانباط والمسيحيين العرب وام قيس وقلعة عجلون وفسيفساء مادبا
مضيت يا سمير, لكن سماسرة الاوطان باقون.. سماسرة المحاصصة باقون.
رحمك الله يا سمير, فقد كنت وفيا لوطنك ومبادئك القومية, عشت عزيزا شريفا نظيفا لم يلوثك "التمويل الاجنبي المشبوه" وادعاءات "الليبرالية" الخبيثة.
زملاؤك في "العرب اليوم" يقرؤونك السلام ولن ينسوك ايها الاردني الشريف, نم قرير العين يا صديقي, فامثالك ممن يحملون خصال الوفاء والصدق والجسارة, قلة في هذا الزمن, ولا بد ان مثواهم مع الصّديقين والشهداء والابرار."العرب اليوم"