تشكّل معدلات الفقر في أي دولة أحد أهم المؤشرات الرئيسة لصياغة السياسات الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا فإن العديد من المنظمات والحكومات في العالم تقوم بقياس نسب الفقر بمنهجيات وأساليب مختلفة؛ لتنسجم مع طبيعة عمل هذه المنظمات أو الظروف الخاصة بالدول، فعلى سبيل المثال هناك من يقيس الفقر المُطلق لتحديد من يعيشون بمستويات معيشية متدنية.
منظمات ودول أخرى قد تهتم بالفقر المُدقع والمعني بالسكان الذين يعيشون بمستويات شديدة من الفقر، ولا يتمكنون من تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية بشكل مناسب، أما الدول الغنية فهي مهتمة اليوم بالفقر النسبي وتباين توزيع الدخل والثروة، وهناك من ينظر للفقر بمفهوم أوسع كالفقر متعدد الأبعاد.
مجموعة البنك الدولي قامت بتحديد خط الفقر الشديد "Extreme Poverty" على مستوى العالم ليشمل الأشخاص الذين يعيشون بمعدل أقل من 1.9$ دولار أمريكي يوميًا في العام 2015، إذ يعاني هؤلاء من نقص في المال والضروريات الأساسية لحياة مستقرة مثل الغذاء، الماء، التعليم، والرعاية الصحية، وقدّر في حينه أن حوالي 10% من سكان العالم يعيشون تحت هذا الحد.
على المستوى المحلي للدولة ومن خلال المؤسسات المعنية بالإحصاءات العامة هناك العديد من البلدان التي تقوم بتحديد خط الفقر المُطلق والمُدقع حسب الدخل المطلوب للاستجابة للاحتياجات الأساسية، ومن ثم ومن خلال مسوحات الإنفاق والدخل الأسري يتم تحديد نسب العائلات التي إنفاقها أو دخلها دون هذا الحد لتشكّل أعدادها بالنسبة لمجموع السكان نسب الفقر في الدولة.
لتحديد خط الفقر أهمية كبيرة في رسم وتصميم البرامج الاجتماعية لمكافحته، بحيث يتمكّن كل من دخله دون هذا الخط في العديد من دول العالم بالحصول على مساعدات نقدية وعينية ويصبح مؤهلًا للاستفادة من بعض برامج الخدمات الصحية المجانية، دعم التعليم، التدريب والتأهيل لدخول سوق العمل، الغذاء خصوصًا للأطفال، وغيرها من البرامج المعنية بتقليل مستويات الفقر وتأهيل الأسر والأفراد للخروج منه.
الأمم المتحدة أكدت أن الفقر ليس معنيًا فقط بالمال والدخل، بل إن تواضع التحصيل التعليمي للأفراد والأسر، وسوء الخدمات والحالة الصحية للأفراد، وتردّي الحالة المعيشية جميعها من تداعيات الفقر التي لها تأثير على مستوى حياة الفرد وأسرته وقدرتهم مستقبلًا في الخروج من دائرته، ويتم قياس كل هذه العوامل تحت ما يُسمّى الفقر متعدد الأبعاد "Multidimensional Poverty".
في العام 2019 أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية المؤشر العالمي للفقر متعدد الأبعاد "The 2019 Global Multidimensional Poverty Index"، المعروف إختصاراً "MPI" والذي ينظر إلى حالة السكان من خلال ثلاثة أبعاد هي: الصحة، التعليم، ومستوى الحياة المتمثل في الحصول على الخدمات الأساسية كالكهرباء، والماء، والصرف الصحي وغيرها.
رصد المؤشر العالمي للفقر متعدد الأبعاد للعام 2019 مستويات الفقر في 101 دولة حول العالم معظمها من الدول النامية شكّل سكانها حوالي 76% من سكان العالم، وقد أشارت النتائج إلى أن حوالي 23.1% من سكان هذه البلاد (1.3 مليار نسمة) يعانون من الفقر متعدد الأبعاد، وكانت هذه النسب مرتفعة بشكل ملفت متجاوزة 70% من السكان في دول مثل تشاد وبوركينا فاسو ومدغشقر، أما عربيًا فكانت هذه النسبة 52.3% من السكان في السودان و47.7% من السكان في اليمن و18.6% في المغرب و8.6% في العراق و2% في ليبيا و0.4% فقط في الأردن.
ليس من المستغرب إذًا أن تقوم دول منها المكسيك على سبيل المثال بتغيير منهجية قياس مستويات الفقر الرسمية على أساس الدخل فقط إلى أساس متعدد الأبعاد ليشمل التعليم، الخدمات الصحية، والوصول إلى الضمان الاجتماعي، وخصائص المسكن، والوصول إلى الخدمات الأساسية، والحصول على الغذاء، ومستوى التماسك الاجتماعي.
بالنسبة للجهود الحكومية في المملكة والمتعلّقة بهذا الإطار فقد أُطلقت الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية 2019 - 2025 والتي تقع ضمن ثلاثة محاور، منها محور التمكين الذي يهدف إلى تنفيذ مبادرات متعددة معني جزء كبير منها بتوفير الخدمات الصحية المجانية أو المدعومة للأسر الأكثر فقرًا، كما يتضمّن المحور مبادرات عديدة متعلّقة بالتعليم والتحسين من واقع خدماته، وأيضًا تتضمن الإستراتيجية مبادرات تسعى إلى تقديم الخدمات الأساسية للفقراء كالسكن والطاقة.
بالنتيجة فإن نجاح الاستراتيجيات والبرامج المتعلّقة بمكافحة الفقر تتطلّب حصر الأسر الفقيرة والأشد فقرًا في المملكة، ومن ثم الاستهداف الدقيق لهم من خلال تحديد خط الفقر وحصر من تندرج دخولهم تحت هذا الحد مع ضرورة دراسة خصائص هذه الأسر من حيث الحصول على خدمات التعليم والحالة الصحية لهم، وعلى إثرها يتم تمكينهم للحصول على الدعم المناسب ليس ماديًا فقط، بل من خلال البرامج التي تستثمر في التنمية البشرية لتحسين واقع التعليم والصحة لأفرادها، كي يتمتعوا بالمقوّمات التي تمكّنهم من تخطّي حاجز الفقر والاستقلال اقتصاديًا عن طريق الاندماج في المجتمع والمنافسة في سوق العمل.