ثمّة فرق كبير بين الرجوع إلى (الإنترنت) لمعرفة معلومة عاجلة أو غائبة عن البال، والرجوع إليه في إجراء بحث علمي موضوعي، ففي الحالة الأولى يكون نفع الصواب أو ضرر الخطأ مقتصراً على الشخص الذي استخدم الإنترنت وقلّما يتعداه إلى غيره، كأن يحصل على معلومة غير دقيقة أو غير صحيحة عن عدد المواليد الجدد في المملكة في عام 2019، وقد يحصل الشخص على هذه المعلومة من أي منشور يصادفه على محرّك (الغوغل) وليس من مصدر رسميّ موثوق.
أما فائدة الصواب أو ضرر الخطأ في البحث العلمي التي يكون الهدف منه النشر في كتاب أو مجلة علميّة محكّمة، فإنهما يكونان عامّين ويصلان إلى قطاع واسع من أهل الاختصاص وغيرهم.
ولذلك فإنّ للرجوع إلى (الإنترنت) في كلا هاتين الحالتين أصولاً وقواعد مختلفة، وذلك ضماناً لدقة البحث العلمي وسلامة نتائجه وتجنّباً لشيوع الأخطاء والمزالق العلمية الخطيرة، وذلك انطلاقاً من الحقيقة التي لا جدال فيها وهي أنّ المعلومات المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي أو من خلال محرك (غوغل) بعضها غير صحيح ولا دقيق وكثير منها متناقض ومصادره غير موثوقة، فضلاً عن أنّ كثيراً ممّا ينشر في هذه المواقع يكون من صنع الخيال وتقف وراءه أهداف خفيّة كثيرة.
فأما من يستخدم (الإنترنت) ومواقع التواصل الاجتماعي للحصول على معلومة أو تذكّرها أو التأكّد منها لغايات المعرفة فقط أو الاطّلاع أو دعم حديثٍ أو تعزيز فكرة له في أثناء حوار له مع أصدقائه، فذلك هدفه ثقافي ومعرفي، ومع ذلك فإنه يحتاج كي يصل إلى الخبر الأقرب إلى الصحّة أن يستعرض على صفحات تلك الوسائط منشورات كثيرة ولا يكتفي بأخذ المعلومة من أوّل مصدر يصادفه، وإذا لم يكن على عجلة من أمره فإنّه يستحسن أن يوازن بين سائر المصادر ويختار من بينها المصدر الرسميّ الأصلي الموثوق صاحب الاختصاص في ما يطلبه.
أمّا من يستخدم (الإنترنت) في إجراء الأبحاث العلمية، ولا سيّما في العلوم الإنسانية، فإنّ أهمّ ما يجب أن يلتفت له هو أنّ المصادر التي يأخذ منها معلوماته لها شروط ومواصفات خاصّة تختلف كثيراً عن تلك التي يرجع إليها من يسعى إلى المعرفة العاجلة والاطلاع. وأهمّ شرط من شروط هذه المصادر أن تكون إمّا كتباً أصلية ذات طبعات مشهورة ومحمّلة على شكل (بي.دي.إف) بحيث يستطيع الباحث أن يعرف جميع مواصفات الطبعة ويحيل إلى الصفحات التي اعتمد عليها أو اقتبس منها. وإمّا أن تكون أبحاثاً في مجلاّت معروفة ذات مصداقية وموثّقة، وتكون الجهة التي تصدر المجلة معروفة ورقم العدد وتاريخه وأرقام الصفحات وأسماء الباحثين كلّها واضحة. أو أن يكون المرجع بحثاّ منشوراً نشرة إلكترونية فقط، وفي هذه الحالة لا بدّ من ظهور اسم الجهة صاحبة الموقع وعنوانها واسم الباحث وعنوان البحث وأرقام الصفحات كي يسهل التوثيق منها، وفي هذا النوع من الأبحاث يفضّل أن يتحقق الدارس من جديّة البحث المنشور وصحّة اسم كاتبه وشهرة الجهة صاحبة الموقع.
ويستطيع الباحث الرجوع إلى مواقع المؤسسات الرسميّة المتخصصة وأخذ البيانات منها والتوثيق منها حسب الأصول العلمية المعروفة.
وقد تكون المقابلات المبثوثة على صفحات المواقع الإلكترونية مصدراً للمعلومات، مع أنّ ذلك يحتاج إلى بعض الحذر، لأنّ بعض الفيديوهات تكون مدبلجة وتعرضت للعبث.
أمّا بقية مصادر المعلومات المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، فلا بدّ من التعامل معها ببالغ الحذر، ضماناً لسلامة المنهج ودقة المعلومة وسلامة النتائج.
إنّ من أخطر ما يعاني منه التعليم الجامعي في هذه الأيام أنّ الطلبة الذين يكلّفون إعداد أبحاث وتقارير علمية لا يكلفون أنفسهم عناء الرجوع إلى المكتبة أو الكتب أو المجلات المحكمة، بل يذهبون إلى محرّك (غوغل) ويدخلون عنوان البحث المطلوب، ويجمعون ما جاد به عليهم (غوغل) ويضمون بعضها إلى بعض، من غير أن يطّلعوا على ما فيها، ثم يسلّمونها إلى أستاذ المادة، وبذلك تنتفي الفائدة من تكليف الطلبة القيام بإجراء البحوث وإعداد التقارير.
(الرأي)