غياب الحقيقة في فسيفساء الكتابة الرقمية
د. محمد القضاة
23-01-2020 10:41 AM
ينطلق هذا العنوان من حقائق قارة في عالم تتصارح فيه الحقيقة مع أكاذيب يقذفها نفر لا هم لهم غير تدبيج الكلام وصناعته لمصالح ضيقة تنال من هذا وتسيء لذاك، ومن يتابع الحملة الظالمة التي يقودها بعض الموترين ممن يختفون خلف أسوار الكتابة الرقمية بحسابات وهمية على جامعاتنا ومؤسساتنا والمسؤولين وبعض الأشخاص بهدف النيل منهم واغتيال شخصياتهم يدرك ان فسيفساء الكتابة الرقمية غدت هي الأساس في غياب الحقيقة، وهؤلاء يعرفون الحقائق وينشرون عكسها ويحاربون النجاح بكل الوسائل ويتناقلون الأخبار والأكاذيب كحقائق لا تقبل التأويل او الجدل، وكأن الكتابة عكس عقارب الساعة هي المطلوبة والمرغوبة في عالم تتقاذفه المصالح والرؤى، وهذا الأمر يقتضي الا يسكت الناس عن حقوقهم وان يكشفوا من تسول لهم أنفسهم نقل تلك الأكاذيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وذلك بالشكوى عليهم إلى وحدة الجرائم الإلكترونية لكي يكون عبرة لغيرهم وكي لا يستمر حبل الأكاذيب في التمدد والإساءة للبشر والحجر وكل معنى جميل في بلدنا الحبيب .
إن التغيرات التي طرأت في عالم اليوم لم تعد قصراً على الكتابة وتجلياتها وارتباطاتها وتأثيرها، وإنما تجاوزت كل شيء حتى صار المرء في حيرة من أمره. وان قراءة الواقع ومتابعة مستجداته ومتطلباته يفرض علينا معادلات جديدة في إعادة ترتيب الأولويات الوازنة في موضوعات الكتابة، وفي مدى انعكاساتها وتأثيراتها القريبة والبعيدة حيث صار الاختصار والتكثيف هو الأساس وغدا التفصيل والحشو والزيادة في الكلام بلا معنى، لأن السرعة والعالم الرقمي صار فيه الهذر والكذب والافتراءات والحقد هي القاعدة التي تحارب فيها الدقة والصدق والفطرة والجمال؛ وكأن التحديد والتركيز والإقناع والتأثير لا ضرورة لها مع انها هي العناوين المطلوبة للعالم الرقمي الجديد.
إن الكتابة في العالم الرقمي تفرض تغيير القواعد والثوابت والبحث عن نقاط الوصول والاقناع، لأن القارئ اختلف في رؤيته وفكره ونهجه، والمتاح أمامه لا يعد ولا يحصى، وبات ينتظر الجديد المختلف حتى وإن كان غير دقيق، وللأسف انتشرت كتابات متعددة في وسائل كثيرة لم تعد تعرف فيها رأسك من قدمك، وغدا الكل في تيه وفوضى وامام اكاذيب لا تنتهي، وللأسف تصلنا بين الحين والآخر ونقرأ هنا وهناك اخبار ملفقة لا أساس لها من الصحة يكون خلفها أشخاص وجهات امتهنت لغة الحقد والكراهية لكل معنى جميل ولأي قرار سليم أو شخص نظيف او شريف او عفيف، هذا حال الكتابة في الزمن الجديد الذي لا يفرق بين الحب والكره وبين الصدق والكذب وبين الجمال والقبح، ومن هنا لا بُدّ من وقفة جادة أمام هذا التغير الذي يجب أن تكون روادعه من داخل كل فرد فينا؛ واذا فشلنا في التغيير من ذواتنا لا بد من اللجوء الى القانون لكي يكون الفيصل بين الناس الذين يتناقلون الأكاذيب ويبن الأوفياء لرسالة العمل والحياة؛ خاصة أن العالم الفسيفسائي الرقمي المتغير لم يبق ثابت على حاله، ولم يترك صغيرة او كبيرة الا دخلها وأثر فيها سلبا او ايجابا.
وبعد، علينا أن نشد الرحال إلى تغيير هذا الواقع في العالم الرقمي الجديد بالصدق ولغة المحبة والكتابة الصحيحة المؤثرة التي تصل مقصدها دون اخلال أو إسفاف، أو خجل أو مواربة.
mohamadq2002@yahoo.com