عندما تخشى حكومة .. «صحفيا»!!
محمد خروب
24-12-2009 03:55 PM
تخشى الحكومة - أي حكومة - الصحفي، فتقتله، بعضها يرجئ هذا الخيار البشع الى مرحلة لاحقة، فثمة طرق ومقاربات ووسائل لمعالجة حال التمرد هذه، المال موجود، والتلويح بالوظيفة وارد، بل ثمة الهدايا والاعطيات والمغلفات، وإذ ما ركب رأسه فإن السجن في الانتظار وغرفة التعذيب جاهزة.. بينهما يكمن التجويع والمطاردة والعسف والطرد من الوظائف والحرمان واقفال الابواب، ودائما تشويه السمعة واختراع الحكايات وفبركة الاتهامات..
لهذا ايضا، تزداد احوال الصحافيين على مستوى العالم وخصوصا في بلاد العرب، تدهورا وبؤسا ويرتفع عدد القتلى بينهم، ليس فقط بسبب تغطية الحروب والمغامرة بالانتقال الى ساحات الحروب الاهلية، والمواجهات الميليشياوية والنشاطات الارهابية والحملات العسكرية الحكومية ضد المعارضين، وانما ايضا لأن هناك من يتربص بحملة القلم والكاميرا والهاتف النقـال ويضع كاتم الصوت على رأسه، فارضا عليه وجهة نظره أو اختيار حفرة، لا شاهد لها أو عليها، سوى رصاص الحقد على دور هذه المهنة وأصحابها..
مناسبة هذا الكلام في نهاية عام يستعد لطي أجنحته، بما له وما عليه، وفي انتظار ما ستصدره الهيئات والمنظمات والجمعيات المعنية بمتابعة احوال الصحافة والصحافيين ومستوى الحرية التي ينعمون بها في هذا البلد أو ذاك من دول العالم، هو وفاة صحفي قيرغيزي قالت الانباء أنه ألقي من مبنى مرتفع في عاصمة كازاخستان (آلما آتا) وليس في بلاده، ما يعني أنه كان خاضعا للمراقبة وتمت ملاحقته الى ان تمكن مطاردوه منه، فامسكوا به وبعثوا به الى قبره بهذه الطريقة البشعة..
ليس الصحفي صنفا من الملائكة، يؤمن بذلك غالبية الصحافيين، لكنه ايضا ليس نبتا شيطانيا بل هو مشروع شهيد في معظم اوقات مهنته، وخصوصا عندما يختار الانحياز الى الحقيقة ويرفض الخنوع أو الاعتذار عما فعل، فـ «يقلق» بذلك المستبدين والفاسدين والمهربين والقتلة والنهابين والمافيات المتغلغلة في اوساط عديدة.
يعج عالمنا بهذه الاصناف التي تضيق ذرعا بالصحافة والصحافيين، الذين يصفهم اصحاب السلطة، بالمتطفلين والحشريين وأدعياء الطهارة والشفافية..
لهذا ايضا ودائما، يكون الصحافي مستهدفا، يخطب كثيرون وده، بعضهم كي يستعين به على كشف المستور وتعريض العفونة الى الهواء، وهؤلاء قلة في عالم يضج بالاغراءات والتسهيلات والعمولات والسمسرة، فيما معظمهم يرى فيه عدوا تجب محاربته وشراء صمته.. تتعدد الوسائل والهدف واحد..
من يخرج على الخط المرسوم، يعاقب.. تتفاوت العقوبة كما تتفاوت الهبات، رفضا وقبولا بالطبع.
هل نعود الى غينادي بافيلوك؟..
هذا الصحافي المغدور، الذي تتعامل شرطة كازاخستان مع مقتله على أنها جريمة قتل، كان معارضا لحكومة بلاده، لم يحمل السلاح ولم ينتم الى منظمة ارهابية، لكنه حمل القلم وتوسل الكلمة لاقناع الجمهور أو لفت انظاره أو دعوته لاتخاذ موقف..
ضاق صدر الحكومة به، فأسلمته للموت غيلة وفي طريقة لا يمكن وصفها بغير الوحشية.. جريمته أنه كان يستعد لاصدار صحيفة معارضة جديدة..
ربما كان زعيم المعارضة القيرغيزية على حق عندما قال: السلطات كانت تخشى من بافليوك..
لكن..
تخشى أو لا تخشى.. هذا من حقها..
لكن ليس من حقها وليس من حق أي سلطة، أن تغتال انسانا وأن تأخذه الى موت مبكر وفي اساليب منحطة كهذه، بهدف اسكات قلمه أو دفعه الى الصمت أو رشوته بمنصب أو ثروة أو هدية معتبرة..
يطول الحديث... إلا أن بشاعة تغييب بافليوك لن تطمس على حقيقة مواصلة المستبدين مقارفاتهم الاجرامية وتجديد قواعد اللعبة السقيمة العصا والجزرة.
Kharroub@jpf.com.jo
الراي.