من الجميل أن نسمع أخبارا ترد الروح، وترفع الهمة، في وسط هذا الطوفان الأسود من التشكيك والسوداوية ونشر الاحباط وتحطيم المعنويات الجاري على قدم وساق ليل نهار في بلدنا وضد بلدنا. حتى بتنا أكثر إيمانا بعظمته لقدرته على الصمود في وجه التحديات الخارجية والداخلية، وفي وجه رياح السموم، وجيوش الاحباط والتيئيس.
فأخبار الاستثمار الكويتي الضخم في مدينة معان، في جنوب الأردن، ، وبحوالي 8 مليار دولار، تستحق الاشادة والترحيب. وعندما يقرر الأشقاء في الكويت الاستثمار بهذا الحجم في تكرير النفط في مدينة معان. متطلعين الى تحويل مدينة معان الى ما يشبه مدينة الأحمدي النفطية الكويتية، فالأمر يتطلب أن لا نكتفي بالترحيب والشكر، بل يستوجب تسهيل مهمة الأستثمار الكويتي الشقيق، وكل استثمار عربي أو أجنبي يختار الأردن موطنا له، ويخدم المصالح الأردنية. كما يتطلب الأمر أن نقدم إنموذجا في توفير البيئة الحاضنة للاستثمار، والتعاطي معه كفرصة ثمينة في هذا الزمن الصعب؛ فتشغيل شباب مدينة معان المثقلة بهموم البطالة والفقر والتهميش، كما هو حال محافظات الجنوب الأخرى، فرصة ذهبية تنعش الأمل، وينبغي عدم التفريط بها، أو وضع العراقيل أمامها، أو إعاقتها.
فمنذ أحداث الجنوب عام 1989، ومشاريع تنمية الجنوب تواجه مصاعب كبيرة، وبقيت مجرد محاولات مبعثرة، وأوراق وعروض تقديمية تصاغ وتعرض وتتجمد في أدراج الحكومة، وداخل اجتماعاتها وغرفها المغلقة في العاصمة. وبقيت الحكومات عاجزة عن تحقيق الرؤى الملكية لتطوير الجنوب وتنميته، كما بقيت عاجزة عن مواكبة الاحتياجات التنموية للجنوب وأهله. وفي المقابل بقيت البطالة مستوطنة في الجنوب، وبقي الفقر يتمدد، كما بقيت الأحداث الاحتجاجية المتواصلة منذ ذاك الزمن، تؤشر الى الحاجات التنموية للمنطقة، والى الفشل التنموي الهائل في الجنوب الذي تحوّل الى فيافي طاردة للشباب وللكفاءات وللحياة، حتى خرج علينا الشباب يسيرون مشيا على الأقدام من العقبة ومعان والطفيلة والكرك متجهين الى العاصمة، بحثا عن فرص العمل والتشغيل والتوظيف والحياة الكريمة. وبقيت الحكومات عاجزة عن مواكبة الاحتياجات والمتطلبات التنموية الحقيقية في الجنوب، كما بقيت التجارب تعلمنا أن خير نهج لاشاعة الهدوء والاستقرار في معان وأخواتها الجنوبيات والأردنيات، هو ترسيخ التنمية ونشر الرخاء، فالأمن يستند الى التنمية أولا وآخرا، كما أن التنمية تستند الى الأمن أولا وآخرا.
نتطلع الى فرص تنموية واستثمارية فعلية وراسخة ودائمة ونامية في الجنوب ليس على طريقة أن ننثر رمال العقبة ذهبا، بل على طريقة أن نحفر في الصخر، ونعمل ليل نهار، ونتقي الله في وطننا، ونفتح عقولنا وقلوبنا لاتجاهات التقدم في العالم، ونوفر بيئة مجتمعية وخدمية وادارية حاضنة للاستثمار والتنمية. ولا شك أن مسؤولية المجتمعات المحلية كبيرة في احتضان الاستثمار وتشجيعه على الاستقرار والازدهار، وقبل ذلك فإن مسؤولية الحكومة والادارات الرسمية كلها كبيرة في أن تعمل بروح وبعقلية مستقطبة للاستثمار وخادمة ومحفزة له.
بقي أن نشكر الأشقاء الكويتيين وكل مستثمر يؤمن بأن الأردن دولة تستحق الاستثمار بها، وبأن الأردن وطن يستحق توطين المليارات والاستثمارات فيه، دون خوف أو تردد. وبقي أن يؤمن بعض الأردنيين بوطنهم وبدولتهم وبالمستقبل، وبأن الأردن الذي ولد على الحافة، وعاش على حد السيف، قادر على البقاء والنماء والتغلب بعون الله وبحكمة قيادته وبهمة شعبه على مخططات الأعداء.
شكرا لكل من يؤمن بالأردن