بكل المقاييس كان قرار مجلس الوزراء بإصدار ملحق لموازنة سنة 2009 التي لم يتبقَ منها سوى أيام معدودات بقيمة 300 مليون دينار مفاجئا، لا سيما وأن السنة المالية قاربت على الانتهاء وسط توقعات بأن يبلغ عجز الموازنة نحو 1.1 بليون دينار، كنا نعتبره حتى يوم أمس كبيرا وخطيرا.
بيد أن قرار الملحق جاء ليزيد العجز ولتصبح قيمته 1.4 بليون دينار، وترتفع المديونية هي الأخرى بنفس القيمة وتقارب 9.7 بليون دينار، وهذه انتكاسة جديدة وضربة قاسية لا ندري مدى قدرة الاقتصاد على تحملها.
إصدار ملحق للموازنة في هذا الوقت بالذات له أكثر من تفسير، منها أن وزير المالية محمد أبو حمور لم يرغب في حمل ملفات قديمة والتزامات مالية ترتبت على الحكومة الماضية ولم يتم دفعها سواء للمقاولين، أو للعلاجات الطبية واستملاكات الأراضي.
ومن حق أبو حمور أن يفكر بهذه الطريقة، طالما أن من يتبوأ هذا الموقع يتحمل مسؤولية ونتائج السياسة المالية المطبقة، وطالما أن تحديد توجهات هذه السياسة يقع على عاتقه ومسؤوليته وحده.
مراجعة السياسة المالية منذ عهد الحكومة الماضية، تُظهر أن الخطأ ابتدأ منذ منتصف العام 2008، في عهد حكومة نادر الذهبي حينما اتبع وزير المالية آنذاك حمد الكساسبة سياسة توسعية، وبنى موازنة العام الحالي على هذا الأساس.
ووفقا لمنهج الكساسبة التوسعي نمت الموازنة بقيمة قاربت 700 مليون دينار، حيث بلغت قيمة موازنة العام الحالي 6.1 بليون دينار، فيما قدرت موازنة 2008 بقيمة 5.4 بليون دينار، وهنا تكمن العقدة! عند هذه النقطة تحديدا بدأت المشكلة؛ حيث بالغ وزير المالية آنذاك في تقدير حجم الإيرادات ووضع موازنة توسعية، بنيت على تفاؤل غير واقعي، وعلى مبالغة كبيرة في تقدير حجم الإيراد المتوقع في العام 2009، حتى إن مطالبات النواب في حينه بضرورة تخفيض قيمة الموازنة بنسبة 10% لم تلق آذانا صاغية ومُرّر القانون تماما كما ورد من الحكومة.
وتفاقمت الحالة في عهد وزير المالية باسم السالم الذي تسلم المالية في أول تعديل في حكومة الذهبي، في ظل ظروف معقدة وصعبة تلت الأزمة المالية العالمية، وبدأت تبعات الأزمة تظهر على الاقتصاد وتراجعت الإيرادات بعدما دخل الاقتصاد في حالة تباطؤ شديد منذ الربع الأخير من العام الماضي وتعمقت خلال الأشهر الماضية من العام الحالي.
وساءت الحالة مطلع 2009، حينما تعنتت الحكومة ورفضت مراجعة موازنة العام الحالي رغم كل التطورات التي كانت تستدعي ذلك، ولم يتم مراجعة الموازنة العامة رغم المطالبات المتكررة لتجنب آثار الأزمة، بل ذهبت أبعد من ذلك وتغنت بإيجابيات الأزمة على الأردن.
وبذلك تلقت الموازنة العامة ضربات متتالية تسببت بوجود مشاكل تتفاقم ولم يعد بالإمكان السيطرة عليها، حتى إن جميع الخطوات التي اتخذت في الأشهر القليلة الماضية بهدف ضبط النفقات لم تؤت أكلها واتسعت المشكلة لهذه الحدود.
بإصدار هذا الملحق تخلص أبو حمور من تركة الكساسبة والسالم وطوى ملف المالية العامة لهذا العام بعجز ومديونية كبيرين، هما الأسوأ خلال العقد الحالي، ولربما يتسنى له أن يوفر حالا أفضل خلال العام 2010 بعد أن تخلص من ورثة من سبقوه على أمل أن تتحسن هذه المؤشرات في العام الجديد.
الغد