حظي خطاب جلالة الملك في البرلمان الأوروبي، بتاريخ 15 كانون الثاني في ستراسبورغ بأهمية كبيرة؛ إذ بدأ جلالته الخطاب بالتأكيد على حقيقتين، هما كما قال:»أولا، مسؤوليتنا تجاه هؤلاء الملايين، الذين ائتمنونا على آمالهم ومخاوفهم. ثانياً، نحن محظوظون، فالحياة التي نقضيها في خدمة الآخرين هي أفضل حياة، إذا ما كنا عند مستوى توقعات ملايين الناس، الذين هم معنا في هذه القاعة اليوم، ولكن إذا تعثرنا، فإن الفئات الأكثر عرضة للتأثر هي التي ستدفع الثمن».
هو تحذير ملكي يؤكده الملك، في كل خطاباته، عن ضرورة النهوض بالمنطقة ، من آلامها وواقعها الصعب وصناعة الأمل للشباب، وهو للمرة الثانية أمام البرلمان الأوروبي يؤكد الحاجة إلى التغيير في المنطقة ويقدم مرافعة عربية إسلامية هاشمية عن القدس والقضية الفلسطينية.
لم يشأ جلالة الملك أن يخاطب الغرب بالعاطفة، بل قدم لهم الحقائق والنتائج المترتبة على حال المنطقة وضعفها وهشاشة الاستقرار فيها، مشيراً إلى أن الحديث عن الشرق الأوسط وواقعه ليس افتراضات بقوله:
«هذه الأسئلة ليست مجرد تمرين عبثي أو نظري، خاصة في منطقتي، حيث أسوأ الافتراضات ليست ترفا نظريا، بل هي أقرب ما تكون إلى ملامسة واقعنا في الكثير من الأحيان..»
ولكنه أكد على أن الاستمرار بتجاهل المنطقة، سيحيل كثير من الدول فيها إلى دول فاشلة، محذرا من الحالة في ليبيا والعراق وسوريا، وسبق ذلك أن ذكّر الملك الحضور في البرلمان الأوروبي، بما حدث في العالم خلال العقد الماضي في منطقة الشرق الأوسط، قائلاً:» إن السمة التي ميزت العقد الماضي، هي أن الشعوب تمكنت من إسماع صوتها، فالملايين تدفقوا إلى الشوارع في جميع أنحاء العالم، وعبروا عن مطالبهم بصوت واضح في مسيرات واحتجاجات واعتصامات وتغريدات وتسجيلات البودكاست الصوتية ووسوم هاشتاغ وسائل التواصل الاجتماعي.جميعهم يريدون الشيء ذاته، وهو فرصة عادلة، فرصة ليشقوا طريقهم إلى النجاح..».
هذا الوعي الملكي لمصائر المنطقة، والحديث بكل عقلانية، وبإثارة الاسئلة أمام مؤسسة برلمانية غربية، عريقة، يجعل من تحذيرات الملك من التطرف والفشل في تحقيق الأفضل للشباب وايجاد فرص عمل لأكثر من 60 مليون طالب وظيفة، هو الطريق الأمثل للتطرف. تحدث الملك عن الأمل وعن الصبر، وعن المستقبل، واستخدم كل السبل للتأثير في سماع الحضور، وفي مشاهدتهم له، مبرزا الأسئلة، ومبيداً تعجبه في مواضع التعجب في الخطاب ومبرزاً الأسئلة الوافية والمختصرة، ومتقناً لمهارات الخطاب وموظفاً للغة الجسد بكل اقتدار.
الدستور