مُحاربة الفساد .. تَوجّهٌ مَلَكيّ لا رجوع عنه!
أ. د. صلحي الشحاتيت
21-01-2020 12:04 PM
في كل مرة يؤكد فيها جلالة الملك عبدالله الثاني على ضرورة مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين، ويوجه رسائل كثيرة، مفادها أن لا قانون يعلو فوق محاربة الفساد والفاسدين، ولم يكتفي في كل مرة بأن يجعل مكافحة الفساد من أولى الأولويات، وإنما يشدد جلالته على أنه سيقدم كافة الدعم للمؤسسات الحكومية الرامية لهذا التوجه، كان آخرها بعد لقائه لشخصيات سياسية واقتصادية وأكاديمية وإعلامية، والذي أكد فيه جلالته على ضرورة تطوير آليات مكافحة الفساد، ومراجعة قانون التنفيذ، عدا عن أهمية أن يتحمل الجميع المسؤولية.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتطرق جلالته لموضوع الفساد ففي شهر أب عام 2018 خلال ترؤسه جزءاً من جلسة مجلس الوزراء، وضع اسلوب عمل واضح، قائلاً "نريد كسر ظهر الفساد في البلد"، لا يكفي القول كم أنها جملة معبرة وفصيحة، فجوهرها يكمن بأنها بمثابة خارطة طريق تسير بها عجلة الاصلاح بخطى واضحة وسليمة، مع تأكيد جلالته على أهمية سيادة القانون، مع عدم التهاون مع أي شخص يتجاوز القانون، قائلاً: "لا أحد فوق القانون بغض النظر من هو أو هي".
كل توجهات جلالته لم تأتي من فراغ، فموقف جلالته يعبر عن حالة جادة وحازمة في هذه الظاهرة وتحديداً في مقولة جلالته "كسر ظهر الفساد"، فجميعنا على اطلاع على هذه الظاهرة وما تسببه، فالفساد يقلل من التطور والإزدهار ويسبب اندثار للحقوق، بالإضافة أنه هو السبب الرئيسي للتدهور الإقتصادي والإداري في الدولة، فالكثير من الدول المتقدمة والنامية مثل ماليزيا وسنغافورة عندما توجهوا لاصلاح بلدهم بدأو أولاً بمحاربة الفاسدين وإبعادهم عن مراكز صنع القرار وبالتالي انعكس ذلك على المجال الاقتصادي وتقدم هذه الدول، ونحن في الأردن ما زلنا نعاني من الفساد بأشكاله ومواقعه المختلفة، فكم من ملفات فساد مؤجلة، وكم قضية فساد تم التماطل فيها الى أن نسيها الناس، فيكفي في كل مرة المطالبة بالإستقالة عند حدوث تخبط، لماذا لا يكون هناك حوار المحاسبة والاصلاح؟ أو رؤية واضحة يجتمع عليها الجميع؟، فعندها فقط سيصدق الناس أن محاربة الفساد هي فعلاً نهج وليست جملة تكسّب سياسي.
وهنا لا بد من القول أن موضوع مكافحة الفساد لا يشمل مجال دون آخر، فهو يشمل الفساد الإداري، والاقتصادي، والسياسي، وأهمها والذي دائماً ما ينوه له جلالته هو فساد التواصل الاجتماعي، الذي وصل إلى حد التشهير واغتيال الشخصية، والعمل على معالجة قضايا الفساد دون اللجوء إلى اغتيال الشخصيات واستخدام المعلومات المظللة والكاذبة، والفكرة هنا ليس فقط بمحاربة الفساد وإنما بمنع حدوث الفساد من البداية.
لا شك أن البنية التحتية لمحاربة ظاهرة الفساد بدأت تتشكل، وموقف جلالته حازم وجاد لحماية المال العام والحقوق والنهوض بالبلد، مبيناً جلالته دعمه الكامل لكل المؤسسات الرقابية، بدءا من مجلس النواب، والمؤسسات الرسمية، وهيئة مكافحة الفساد وديوان المحاسبة، وغيرها من المؤسسات التي تسعى لمكافحة الفساد، ومنعه من الاساس.