ليت الشتاء يغسل قلوب البشر
نهيل الشقران
20-01-2020 10:38 PM
قرأتُ صباح اليوم عبارةً أثارت اهتمامي ، يقول صاحب العبارة : " ليتَ الشِّتاء لا يغسل الأرض ، بل ليته يغسل قلوب البشر " .
لابُدّ أنّ صاحب العبارة نفسه ، أو مَن نقلها اليوم ونشرها ، قد اكتوى قلبه بنيران ، بل بلهيب حقد الآخرين وغلّهم الذي لا ينتهي ما دامت الحياةُ قائمة ً وإلى قيام السّاعة ، فالشرّ والخير صِنوان لا يفترقان في نفوس البشريّة ، مذ خلق الله آدم ، وهبط به إلى الأرض متحمّلاً – آدم – الأمانة التي عجزت عن حملها الجبال والسموات والأرض .
ومن الطبيعيّ أن يوجد الخير والشرّ على حدّ سواء ، فلولا الشرّ ما عرف الخير والعكس صحيح ، قال تعالى :" وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( 7 ) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8 )
وإلّا لماذا قتل قابيل هابيل ؟ أليس حسدا ً وغلّاً وحقداً ؟ لأنّهما قرّبا قرباناً فتُقُبِّل من أحدهما ولم يُتَقَبَّل من الآخَر .
النَّفس يا إخوتي وأخواتي مزيج عجيب من الخير و الشر ، ومَن طغا منهما على الآخَر تكون الغلبة له في تكوين طبع الإنسان وتصرّفاته ، وسلوكياته وتعامله مع الله ومع الناس ، وتفاعله معهم .
إخوتي ، أخواتي ... غلّبوا جوانب الخير على جوانب الشرّ في نفوسكم ، ولا تدعوا الأهواء والأحقاد تتحكم فيكم لتنجوا من كلّ الشرور والآثام ، وصدق الشاعر حين قال :
وآفة ُ العقل ِ الهوى فَمَن علا على هواهُ عقلُهُ فقد نجا
أحبّوا الخير وتمنّوه لغيركم كما تتمنّوه لأنفسكم ، وتذكّروا قصّة الرجل الذي كلما دخل مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وخرج ، يخبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم صحابته قائلاً : يطلعُ عليكم الآن رجل من أهل الجنة .
عند ذلك أصرّ عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يبيت عنده ثلاث ليال ويراقبه ، فإذا به لا يعمل شيئاً مميّزا .
أخيرا سأله عبدالله بن عمرو بن العاص عن السرّ في أنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام يخبرهم أنّه من أهل الجنة ، فأجابه الرّجل : ما هو إلا ما رأيتَ ، قال : فانصرفتُ عنه ، فلما ولَّيْتُ دعاني ، فقال : ما هو إلا ما رأيتَ ، غير أني لا أَجِدُ في نفسي على أحدٍ من المسلمين غشًّا، ولا أحسدُه على ما أعطاه الله إيَّاه، فقال عبدالله : هذه التي بلغَتْ بك هي التي لا نطيق ". أي لا نقدر عليها .