لم يتطلب الأمر من مجلس النواب سوى بضع دقائق لتبني توصية لجنته القانونية الخاصة بمقترح قانون منع استيراد الغاز من إسرائيل، وإحالتها إلى الحكومة بصفة الاستعجال لإعداد مشروع قانون وتقديمه لمجلس النواب لمناقشته وإقراره.
ينبغي الإشارة أولا إلى أن صفة الاستعجال غير ملزمة للحكومة، فالدستور يمنحها حق تقديم مشروع القانون في الدورة الحالية”الأخيرة” للمجلس أو في الدورة المقبلة.
مجلس النواب بهذا القرار رفع عن نفسه عبء الضغط الشعبي، وسجل موقفا للتاريخ، يتوقع كثيرون أن يظل في ذمة التاريخ ليس أكثر.
مشاعر الحكومة مشتتة حيال الموقفين الشعبي والنيابي من اتفاقية الغاز، لكنها أمام استحقاق قانوني وسياسي، وقد اختارت موقف المراقب الصامت في جلسة النواب أمس، محتفظة لنفسها بحق دراسة المقترح النيابي من جوانبه القانونية والدستورية، وهو ما ستعكف على فعله في الأيام المقبلة.
المعطيات الأولى تفيد بأن المشروع المقترح يرتب تبعات مالية وقانونية على الحكومة، وثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها على طاولة المشرع الأردني، لعل أهمها سؤال الشرط الجزائي في اتفاقية الغاز حال وقف استيراد الغاز من إسرائيل على فرض إقرار القانون المقترح من النواب، خاصة وأن موازنة العام الحالي لم تتضمن مخصصا بهذا الحجم الكبير لتغطية قيمة الغرامة.
وهناك أسئلة أخرى تتعلق بمدى قانونية إصدار تشريع يتعارض مع تشريعات أخرى نافذة أبرزها قانون معاهدة السلام مع إسرائيل الذي صادق عليه مجلس الأمة وأودع في الأمم المتحدة كاتفاقية دولية. ثم هناك من يدفع بعدم دستورية إصدار القانون بدعوى وجود فتوى من المحكمة الدستورية لا تجيز لمجلس النواب حق مناقشة وإقرار الاتفاقية لأنها موقعة بين شركتين وليس حكومتين.
المؤكد أن الحكومة لن تقدم مشروع قانون في الوقت الحالي، وستعمد إلى قنوات دستورية وقانونية عديدة لتأجيل الاستحقاق، رغم مانتوقعه من ضغوط نيابية قد تصل حد التلويح بطرح الثقة في الحكومة.
والطرفان، المجلس والحكومة سيكونان في سباق مع الزمن، المجلس يسعى لإلزام الحكومة بتقديم مشروع القانون قبل نهاية الدورة الحالية، والحكومة تدفع بالمماطلة لشراء الوقت. ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بالنتيجة، إلا إذا باغت قرار حل مجلس النواب الطرفين في موعد أبكر من موعد نهاية الدورة البرلمانية.
لكن ينبغي التفكير بالمستقبل، وعدم الاكتفاء بإزاحة العبء عن الحكومة الحالية ورميه على أكتاف الحكومة القادمة ومجلس النواب الجديد. بمعنى آخر، حسم الجدل الدستوري حول قانونية إصدار التشريع من عدمه، وإغلاق الملف نهائيا سواء بإقرار قانون كهذا أو تجاهل المقترح نهائيا حتى لا يظل سيفا مسلطا على رقاب المجالس والحكومات المقبلة.
والحكمة بأثر رجعي لا تفيد في مثل هذه الحالات، لكن ألم يكن مجديا التفكير بالقانون المقترح من طرف النواب قبل توقيع اتفاقية استيراد الغاز؟ مجلس النواب كان يعلم بالاتفاقية قبل توقيعها، وقد مضت مشاورات التوقيع أشهرا طويلة،ولم يقترح أحد خطوة قانونية كهذه كانت لتجنب السلطتين الإحراج، وتحول دون تكبد غرامات مالية باهظة، نصت عليها الاتفاقية.
(الغد)