سكت النواب طوال السنين الماضية على اتفاقية الغاز مع إسرائيل، التي عبرت ثلاثة حكومات متتالية، حتى بدأ تنفيذها قبيل أسبوعين، وقرروا في آخر دورة برلمانية لهم التقدم بمقترح لقانون يمنع استيراد الغاز الفلسطيني المنهوب من إسرائيل، وهذه بطولات زائفة، كان الأولى القيام بها في البدايات، وليس بعد ان وقعت الفأس في الرأس.
جلسة مجلس النواب غدا التي سيتم خلالها فتح ملف الطاقة، ومناقشة مقترح مشروع قانون منع استيراد الغاز من اسرائيل، والذي أعدته اللجنة القانونية النيابية، والمقرر مناقشته في المجلس وإقراره وإرساله للحكومة، إثر مذكرة نيابية وقعها 57 نائباً، لن تؤدي الى نتائج فعلية، فحتى لو تم تبني المقترح، فإن الحكومة تحتاج وقتا قد يمتد الى عدة أسابيع او شهور من اجل اعداد القانون وإعادته للمجلس الذي لن يكون منعقدا بطبيعة الحال، وهذا يعني أننا أمام فيلم جديد من الأفلام التي يتم عرضها في عمان، هذا على افتراض أن الحكومة ستقبل أساسا صياغة مثل هذا القانون.
الفرق بين الأعوام الماضية، وهذا العام، أننا هذا العام نعارض استيراد الغاز الفلسطيني المنهوب من إسرائيل، برعاية إسرائيلية، لأن كل جلسات الأحزاب والفعاليات وحتى جلسة النواب التي ستنعقد لمناقشة ملف الغاز تتم تحت إضاءة كهربائية مصدرها إسرائيل، والمفارقة أننا نجتمع لشتم إسرائيل، فيما هي تحصل على المال من فاتورة كهرباء هكذا اجتماعات، وهو أمر لن يضرها في كل الأحوال، ولن يؤثر عليها، بل لربما ترحب باجتماعات أطول زمنا، من أجل استهلاك المزيد من الكهرباء من جانبهم.
كان لافتا أن ثلاث حكومات على صلة باتفاقية الغاز، انخفض دفاعها عن الاتفاقية، فهي تعرف انها ليست محرجة وحسب، بل لا يمكن تبريرها بكل قصص الطاقة وانقطاعها وتقلب أسعارها، ولم نسمع كلاما حكوميا سوى من باب التخويف، عبر الكلام عن الشرط الجزائي الذي يصل الى مليار دينار اردني، اذا توقفت استيراد الغاز من إسرائيل، وكأن هناك من يقول لنا أن علينا دفع فاتورة بطولات رفضنا، دون ان يقول لك هؤلاء من سمح لهم بقبول هكذا شرط جزائي أساسا، ومن خولهم تقييد الأردن بشروط تشبه الشروط التي يتم فرضها على اسرى الحرب في الأزمنة الغابرة.
أيا كانت نتائج جلسة مجلس النواب غدا، فلن يتراجع الأردن الرسمي عن الاتفاقية، لأن عمان لا تريد أن تقول أنها غير قادرة على ذلك، وأن الأمر ليس بيدها، وأن الاتفاقية مع شركة أميركية، جاءت في سياق رغبات أميركية، وفي سياق ربط دول المنطقة بالاقتصاد الإسرائيلي، وان على كل دول الجوار ان تتحول الى دول تابعة لهذا الاقتصاد، وترتبط بمصالحه، حتى لو كان ذلك على حساب اهل المنطقة.
لا أحد رسميا يفكر بالمحاذير الحساسة التي على صلة بتمويل إسرائيل عبر كل عداد كهرباء في كل بيت اردني، وماذا تفعل إسرائيل بهذا المال، الذي تسلح به جيشها اليوم على حسابنا، وتشتري له الرصاص والذخيرة، وتدفع منه كلفة بناء المستوطنات، وغير ذلك، بل إن الكل يتهرب من الإجابة على السؤال الأساس الذي يرتبط بمدى تجاهل إرادة الناس، وإجبارهم على تمويل إسرائيل، بطريقة جديدة لا تخطر على بال احد ؟.
الكارثة أن بعض الرسميين يهمس لك قائلا إن الشعب الفلسطيني مرتبط اليوم بالاقتصاد الإسرائيلي، فلماذا يكون هذا غير محرم عليهم، فيما هو محرم اردنيا، ومثل هؤلاء يعيشون في عالم آخر، لأنهم لا يريدون أن يفهموا أن الفلسطيني تحت عصي الاحتلال، والذي لا يدفع له أحد قرشا واحدا حتى يعيش، فيضطر أن يعمل تحت الاحتلال، يختلف تماما عن بقية العرب المفترض انهم ليسوا تحت الاحتلال، وأن خياراتهم مفتوحة ومتعددة ؟.
ثم من قال لكم إن العمل مع الاقتصاد الإسرائيلي حلال للفلسطيني، فلو قاطع الفلسطينيون معا لكانت القصة مختلفة، مثلما نتورط نحن اليوم في الانزلاق الكامل نحو التبعية لإسرائيل، ولا بأس من عدة مسيرات ومظاهرات وندوات وجلسات نيابية صاخبة تهتف ضد إسرائيل وتحت اضاءة إسرائيلية من باب ذر الرماد في العيون.
اعقدوا جلستكم يوم الأحد، دون إضاءة، اعقدوها في العتمة، أو في الهواء الطلق، وهذا أضعف الإيمان أيها النواب والوزراء في عمان.(الغد)