بوتين يصافح صلاح الدين في دمشق
د.حسام العتوم
17-01-2020 12:18 PM
يعتبر رئيس الفدرالية الروسية فلاديمير بوتين وبما يمتلك من شخصية فريدة من نوعها الزعيم الوحيد على خارطة العالم الذي وطأت قدميه ارض الجمهورية العربية السورية الشقيقة منذ اندلاع ازمتها الدموية عام 2011 بعد تأثرها بمجريات وحراك الربيع العربي الذي اريد له ان يكافح الظلم، والاستبداد، والفساد، والديكتاتورية، قبل ان يركب موجته الاستخبار، والاستعمار، والاحتلال، ويدخل الارهاب إليه من شتى اقصاع العالم، وبحجم وصل إلى 80 دولة.
وشتان بين سوريا وسط ازمتها قبل وبعد التدخل الروسي فيها، وبدعوة رسمية من دمشق، وبين الحضور الامريكي الى داخلها من دون دعوة، وفي اطار الخطة (ب) بعد توريط العرب فيها من دون حسبة دقيقة لنتائجها، وثمة فرق بين الوصول بسوريا إلى لا نتيجة، ومع احتمال صعود الارهاب إلى سدة الحكم في ظل تشتت المعارضة وسط صفوف الموالاة والمناكفة، وبين الموقف الروسي الحازم على مستويات السياسة واوراق (جنيف)، (والاستانا)، و (سوتشي)، والعسكرة في المقابل، والاقتصاد، والاعمال الانسانية، وتقديم الشهداء، وبعد النظر. ومع هذا وذاك حاولت امريكا أن تسجل الانتصار على الارهاب في سوريا لصالحها فقط، وهو ما ورد على لسان رئيسها ترمب، وتم تطويق روسيا بأشاعات مضادة دخلت اطار (الفوبيا الروسية)، اي (الرهاب الروسي غير المبرر) وهو عنوان كتابي القادم الثاني هذا العام 2020 بعد صدور كتابي الأول عام 2016 بعنوان (روسيا المعاصرة والعرب).
ومثلما احيطت زيارة بوتين الأولى لقاعدة حميمين الروسية شمال سوريا بالاشاعات التي اعتبرت الرئيس الروسي هو (صاحب الدار)، والرئيس السوري (الضيف)، بينما هي القاعدة روسية، ولها بروتوكولها العسكري، وحدثت مشكلة في الترجمة وقتها اعاقت وصول الاسد لمنطقة تواجد بوتين اثناء تفقده لعسكره، وهو الأمر الذي لم يعير له الانتباه الكافي الرئيس الاسد، ولم ينجح حُسّاده، وسوريا، في اعطاء صورة مشوهة عن الحدث الروسي الهام وقتها.
والزيارة الثانية لبوتين قبل ايام من هذا العام، وتحديداً بتاريخ 9/1/2020، والتي وصفت ايضا بأنها مفاجئة، كانت كما التي سبقتها سياسية، استخبارية هادفة، بمعنى أنهما أي الزيارتين تم ترتيبهما بدقة، وعبر اتصالات مشفرة ليس بالضرورة ان يعرف بموعدهما مسبقاً الغير. وواجهت الزيارة الرئاسية الروسية الثانية التي يرافق الرئيس بوتين عادة فيها وزير دفاعه سيرجي شايغو اشاعات وتقويلات لاحقة رغم انها استهدفت اولا زيارة مقر القوات الروسية في دمشق، منها سبب عدم ظهور صورة الرئيس بشار الأسد داخل المقر، ولماذا جلس وزير الدفاع السوري علي ايوب في اللقاء على كرسي منخفض بالمقارنة مع كراسي الاسد، وبوتين، وشايغو؟
هي وغيرها ملاحظات سجلها الاعلام، لكن الأهم يبقى في البحث في معاني زيارة بوتين لدمشق والتي سبقتها زيارة لقاعدة حميمين، في وقت تعالى فيه الصدام الايراني الامريكي وبالعكس في العراق بسبب مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الذي قدم من سوريا إلى العراق، وأُتهم امريكياً بالاعتداء على السفارة الامريكية في بغداد، وفي مقتل امريكيين من العسكر في عدة مناطق حسب ما ورد في خطاب ترمب الأخير بعد مقتله.
لقد وصل الرئيس بوتين إلى دمشق للاطمئنان على سوريا واصدقائه السوريين، واستقبله الرئيس الاسد بالاحضان، وهو ما دحض وجود مشكلة سابقة في قاعدة حميم كما روج الاعلام.
وروسيا بوتين قدّمت جهداً عسكرياً عملاقاً في مطاردة الارهاب في سوريا، ونجاحاً ملاحظاً في السياسة في (جنيف)، وفي غير مكان بخصوص ازمتها، وتعاونت حتى مع امريكا، ومع دول الجوار السوري مثل الأردن، وتركيا في مناطق خفض التصعيد بهدف اعادة اللاجئ السوري طوعاً إلى وطنه بعد تأمينه ببنية تحتية مناسبة للحياة.
موقع (نيوترك – بوست) تحدث عن عودة 15 الف لاجئاً سورياً من الأردن منذ الازمة ، واكثر من 172 الفاً من لبنان، ومن تركيا حوالي 3.5 مليون لاجئ على سبيل المثال لا الحصر.
والملفت للنظر من وسط زيارة الرئيس بوتين لدمشق مؤخراً هو عروجه على ضريح صلاح الدين الايوبي برفقة الرئيس الاسد، وتقديمه نسخة من القرآن الكريم تعود للقرن السابع عشر، وفي خطوته المقدرة هذه لمحّ بوتين للسوريين، وللعرب بأن مسؤولية وعاتق تحرير الجولان (الهضبة السورية المحتلة)، وفلسطين ال 1967، والقدس الشرقية، ومزارع وتلال شبعا اللبنانية تقع على عاتق العرب انفسهم بعد وحدتهم. ورمزية صلاح الدين هنا كونه المحرر لفلسطين، وارضي العرب، والقدس، والموحد لهم تحت مظلة الدولة الايوبية في ظل الراية العباسية.
واعطت الزيارة اشارة على ان روسيا تحترم الدين الاسلامي وتاريخه العربي وسط الاديان السماوية السمحة.
وبالمناسبة الموقف الروسي من الجولان، والدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية وأراضي العرب المحتلة الأخرى ثابت إلى جانب عروبتها، وتحريرها على الاقل سياسياً، رغم علاقة روسيا المتينة بإسرائيل.
ومن الواجب ان نلفت الانتباه له هنا هو بأن المطلوب من العرب المجاورين لإسرائيل اشغال الأراضي الحدودية ديموغرافيا، واستثمارياً حتى لا تبقى عيون المحتل الاسرائيلي تحدق صوبها، وتضمر لها الشر.
الرأي